الخميس, مارس 28, 2024

آخر الأخبار

السوداني يترأس الجلسة الثانية للهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات

شفقنا العراق ـ ترأس رئيس الوزراء محمد شياع السوداني،...

مبدأ القيادة في فكر الإمام علي؛ بقلم د. نجم عبدالله الموسوي

شفقنا العراق- مبدأ القيادة في فكر الإمام علي (عليه...

الحرب على غزة.. استمرار القصف والضحايا أكثر من 107 آلاف بين شيهد وجريح

شفقنا العراق ــ تتواصل الحرب على قطاع غزة في...

معالم الصيام وأهدافه ما بين الإسلام والأمم الغابرة

شفقنا العراق- سنحاول أن نرصد بعض معالم الصيام وشرائطه...

لجرد أضرار المحاصيل جراء الأمطار الأخيرة .. الزراعة تشكل غرفة عمليات

شفقنا العراق ـ بعد تأثر بعض المحاصيل الزراعية وتضررها...

الإسراء والمعراج.. معجزة كبرى خالدة وتجسيد لعظمة الله تعالى

شفقنا العراق ــ من أبرز أهداف الإسراء والمعراج، إعداد...

التعداد السكاني.. أساس مرتقب للتحول الرقمي المستقبلي في العراق

شفقنا العراق ــ مع الإعلان عن تنفيذه إلكترونيًا لأول...

العثور على قطع أثرية في بابل

شفقنا العراق ــ أعلنت وزارة الداخلية اليوم الخميس (28...

مباحثات عراقية باكستانية لتعزيز التعاون في المجالين الأمني والاقتصادي

شفقنا العراق ــ بحث مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي،...

رشيد يدعو إلى الإسراع بصرف رواتب موظفي ومتقاعدي الإقليم

شفقنا العراق ــ فيما أكد على أهمية رفع مستوى...

لإجراء الأبحاث الطبية.. جامعة الزهراء تفتتح مختبرًا تخصصيًا للتقطيع النسيجي

شفقنا العراق ــ بتوجيه من ممثل المرجعية الدينية العليا،...

العتبة الحسينية تكشف عن الخدمات المقدمة ضمن مبادرة “عطاء المجتبى” الطبية

شفقنا العراق ــ فيما أحصت خدماتها المقدمة ضمن مبادرة...

ضمن البرنامج الرمضاني.. العتبة العلوية تقيم مأدبتي إفطار جماعيتين

شفقنا العراق ــ من ضمن البرنامج الرمضاني لرعاية مختلف...

ضمن مشروع النقل الجماعي.. افتتاح خط جديد في بغداد

شفقنا العراق ــ أعلنت وزارة النقل، اليوم الخميس (28 آذار...

السوداني يوجه بإجراء تقييم شهري للعمل في مشروع الأبنية المدرسية

شفقنا العراق ــ فيما وجّه بإجراء تقييم شهري لبيان...

مشروع مترو بغداد.. تغطية شاملة للأماكن المقدسة والمستشفيات والجامعات

شفقنا العراق ــ فيما أكد أن المشروع سيغطي جميع...

من وحي نهج البلاغة… «سلوني قبل أن تفقدوني»

شفقنا العراق  -  و من خطبة له (عليه السلام)...

القوات العراقية تقضي على إرهابي خطير بعملية نوعية على الحدود مع سوريا

شفقنا العراق ــ بعملية نوعية على الحدود مع سوريا،...

لتسهيل المعاملات.. مشروع التوقيع الإلكتروني إلى النور قريبًا

شفقنا العراق ـ في إطار التوجه نحو الحكومة الإلكترونية...

زراعة ميسان تتخذ إجراءات عدة لتسويق الحنطة للموسم الحالي

شفقنا العراق ـ تستعد محافظة ميسان كغيرها من المحافظات...

دعما للبنى التحتية المائية ..الموارد تستعد لإنشاء 36 سدًا في أنحاء البلاد

شفقنا العراق ـ خطوة جديدة باتجاه تعزيز البنى التحتية...

السيد الصافي يوضح أهمية شهر رمضان لمراقبة النفس

شفقنا العراق ـ فيما أكد أنّ الشياطين مقيدة ومكبلة...

في النجف الأشرف.. افتتاح القنصلية التركية قريبًا

شفقنا العراق ـ فيما أعلن قرب افتتاح قنصلية في...

رشيد.. ضرورة التنسيق بين الأجهزة الأمنية وتبادل المعلومات

شفقنا العراق ـ أكد رئيس الجمهورية عبد اللطيف جمال...

سبايا داعش.. مسيرة النساء الإيزيديات الطويلة

خاص شفقنا- ترجمة- كتبت كاثي أوتن في صحيفة الغارديان البريطانية تحقيقًا تحت عنوان “سبايا داعش.. مسيرة النساء الإيزديات الطويلة” سردت فيه المصاعب التي خاضتها الإيزديات والمخاطر التي تعرضت لها هؤلاء النسوة في سبيل نيل الحرية.

“قبل يوم واحد من دخول داعش كان الإيزديون في قضاء سنجار شمال العراق يحتفلون بنهاية فترة الصوم. كان اليوم الثاني من شهر آب 2014 وحقول القمح المحصودة امتدت تحت أشعة الشمس الساطعة. ذبح الناسُ الأغنام وتجمعوا مع أقاربهم للاحتفال بالعيد وتبادل الحلوى والأخبـار. اعتاد أهالي المنطقة في الماضي دعوة جيرانهم المسلمين لمشاركتهم الأعياد لكن في الآونة الأخيرة ازداد عمق الشرخ بينهم مما أدى للقطيعة.

كان الطقس حارًا إذ بلغت درجة الحرارة 40 درجة مئوية وبدت قمة جبل سنجار شمال المدينة تتلألأ تحت أشعة الشمس. تجنبَ الناس الخروج قبل غروب الشمس إذ امتلأت الشوارع بالأهالي الذين بدأوا بتناقل الأخبار المخيفة وبدورياتٍ يحمل رجالها البنادق.

عند عودتهم، تجمع الرجال بوسط مدينة سنجار بمجموعات صغيرة يسودها التوتر. قافلة من السيارات التي كانت تجوب الصحراء ظهرت من بعيد منذ حوالي الشهرين، أي منذ سقوط الموصل بيد داعش، تقع الموصل على مسافة 120 كيلو مترًا شرق سنجار، وتبع سقوطها سقوط عدة مدنٍ أخرى. انهارت أربعة فرق من الجيش العراقي بما في ذلك الفرقة الثالثة التي كانت تتخذ من سنجار مقرًا لها وشملت العديد من الإيزديين. وكان أغلب المواطنين حينها من العزّل.

عندما أحكم داعش قبضته على الموصل أطلق سراح المسلمين السنة من سجن بادوش بينما قتل 600 سجينٍ شيعيّ. وقد نهبت المجموعات الإرهابية المسلحة معدّات حربية من قواعد الجيش العراقيّ. انتشر الجنود في الأنحاء وفرّ نصف مليون مدنيّ نحو الشمال والشرق. في غضون أسبوع وقع ثلث العراق تحت سيطرة داعش الإرهابيّ أما منطقة سنجار والتي يبلغ عدد سكانها نحو 300 ألف فكانت محاصرة ولم يبقَ سوى طريق رفيع يربطها بمناطق آمنة نسبيًا في كردستان العراق. ولكن الرحلة كانت خطيرة.

يُعد إقليم كردستان العراق في الشمال شبه مستقل، أما حراسه فهم من البيشمركة الذين أوكلت لهم مهمة الدفاع عن أربع محافظات كردية ضد داعش. وتعني كلمة “البيشمركة” أولئك الذين يقفون بوجه الموت ولا يهابونه. وهي كلمة ثقيلة مستوحاة من النضال التاريخي للأكراد ضد القمع. وفي الجهة الجنوبية الشرقية بقرب الحدود الإيرانية، اشتبك البيشمركة مع عناصر داعش ولكن في سنجار عمّ السكون المشوب بالتوتر أرجاء المكان وشهدت المدينة هدوءَ ما قبل العاصفة.

عندما هاجم داعش منطقة سنجار، فر أكثر من مائة ألف شخص إلى الجبال، أما الذين لم يحالفهم الحظ بالفرار فقد حوصروا وأعدم الكثير من الرجال. تم إعدام آلاف الإيزديين وإلقائهم في حفر كبيرة. آخرون لقوا حتفهم بسبب الجفاف أو الإرهاق في الجبال. ولم تحظَ قضية سبي الإيزديات باهتمامٍ دوليّ حتى وقتٍ لاحق لكثرة أعداد المفقودين حينها.

وبحسب البرلمانية فيان دخيل وهي من إيزديي سنجار فقد تمّ سبي ما يقارب 6383 معظمهم من النساء والأطفال ونقلهم إلى السجون والمعسكرات التدريبية ومنازل المقاتلين شرق سوريا وغرب العراق، حيث تعرضوا للضرب والتعذيب والبيع. وبحلول منتصف سنة 2016 لاذ 2590 طفلًا وامرأة بالفرار، أو تم تهريبهم من أراضي الخلافة بينما ظلّ 3893 في الأسـر.

ليلى فتاة من عائلة قروية إيزيدية صغيرة بوجه طفولي شاحب بالرغم من أنها تبلغ الخامسة والعشرين من العمر. لديها أختين يصغرانها في السن وثلاثة أشقاء أكبر منها. عندما كانت طفلة عملت في مزرعة العائلة مع إخوتها وبعد سلسلة من السرقات التي طالت أغنام المزرعة قرروا الانتقال إلى قرية كوجو وهي قرية تقع أسفل جبل سنجار.

انضمّ أحد أخوتها إلى قوات البيشمركة بعد غزو الولايات المتحدة الأميركية للعراق في العام 2003 وفي الثاني من آب من العام 2014 تعرض زملاؤهم في “سيبا شيخ خدر” لهجوم من داعش طلبوا على إثره المساعدة.سيبا شيخ خدر مدينة إيزدية جنوب سنجار قرب الحدود السورية تتكون من بضعة مئات من المباني. وبحلول صباح الثالث من آب 2014 فرّت قوات البيشمركة الموجودة في كوجو وفي خضمّ هذا التوتر قررت عائلة ليلى وحوالي 100 آخرين الفرار ركضًا، لكن معظم الناس آثروا البقاء غير متأكدين ما سيحدث لهم.

كانت أخت ليلى الصغرى تعيش في سيبا شيخ خدر مع زوجها وقد هاتفت عائلتها صباحًا مخبرةً إياهم بأنها ستلوذ بالفرار برفقة زوجها فإن داعش على الأبواب. أما ليلى فقد توجهت مع عائلتها شمالًا إلى سنجار وبقيَ عمها لحراسة المنزل. وحين وصلوا إلى المدينة وأدركوا تعرضها للهجوم توجهوا على الفور إلى منطقة ريفية خارج سنجار وهاتفوا عمهم الذي أخبرهم باستيلاء عناصر داعش على المنطقة وحصار الأهالي.

كان الجميع محاصرين وبعد مدة قصيرة اقتربت مجموعة من مقاتلي داعش منهم وطلبوا منهم تسليم الأموال والأسلحة والذهب وهواتفهم النقالة. كان للزعيم وجهٌ احمر ولحية وكان يدعى “أمير”. تم نقل العائلة لإحدى مكاتب الحكومة المركزية في قضاء سنجار وبدا أن الآلاف من النسوة والفتيات تجمّعن داخل مكاتب هذا المبنى بينما احتشد الرجال في الطابق الثاني. وبحلول المساء جاء عناصر داعش بفوانيسهم إلى المكاتب وبدأوا بتفحص وجوه النساء والفتيات اللواتي التصقن ببعضهن طلبًا للحماية، فزعت ليلى باقتراب الرجال منها إلى حد أنها سقطت على الأرض مغشيًا عليها وقد أنقذها ما حلّ بها من الوقوع في قبضة هؤلاء الرجال، إلا أن خمسة من بنات عمها لم يحالفهن الحظ كما حالفها.

لم تدرك النساء الإيزديات في سنجار ذلك بعد، لكن مقاتلي داعش كانوا يقومون بعمليات خطف جماعية تم التخطيط لها مسبقًا بغرض أخذهن كـ”سبايا”.في البداية كان بحثهم يقتصر على الفتيات غير المتزوجات ممن تخطّين الثامنة من العمر.

في بداية الأمر تم نقل النساء إلى مواقع تم تحضيرها مسبقًا في العراق حيث تم تسليمهن إلى مقاتلي داعش في سنجار. وفي خضمّ هذا الذعر كانت ليلى كالأمّ لطفلي أختها الصغيرين بغياب بقية نساء العائلة والرجال الذين اختفوا من الطابق الثاني للمبنى صبيحة اليوم التالي.

نقلت ليلى إلى مدرسة تحولت إلى سجن في تلعفر. هناك احتشدت النساء في الصفوف بينما قام المسلحون بالحراسة واختطاف الفتيات الجميلات للعمل كجواري.

سمعت معظم النساء الأسيرات في سنجار رجالهم وأقاربهم يقتلون على أيدي عناصر التنظيم الإرهابي. وقال تقريرٌ صادر عن لجنة الأمم المتحدة وصف فيه جرائم داعش بحقّ المحتجزات في سجون سوريا والعراق بأن “الرعب دبّ في أوصالهنّ كلما وصلت إلى أسماعهن صوت خطى أقدام عناصر التنظيم وهي تقترب لفتح الأقفال”وقد أقرت المنظمة بأن تنظيم داعش ارتكب “إبادة جماعية” بحقّ الإيزديين.

وأضاف أن “الساعات الأولى من عمليات الاختطاف كانت مليئة بالذعر وكان اختيار أي فتاة يتبعه صراخ وضرب وإكراه، وإن حاولت أي من النساء مساعدتها فسيكون مصيرها الضرب المبرح. وقد قامت بعض النسوة والفتيات بخدش وتشويه أنفسهن كي يمتنع عنهن عناصر التنظيم. وقد أقدمت بعضهن على الانتحار إما بشقّ المعصم أو الحنجرة أو برمي أنفسهنّ من أعلى المباني.

بعد القبض على النساء احتُجزن لمدة تم فيها تسجيل بياناتهنّ وكانت العملية منهجية ومنظمة. بعدها تم عرضهن للبيع في الأسواق إما إلكترونيأ عن طريق تطبيق يسمح بتبادل معلوماتهن وصورهن أو في أسواق مخصصة أو في السجون في أوقات تم الاتفاق عليها.

بعيدًا عن الأسواق الرئيسية بيعت الفتيات عن طريق وسطاء محليين، وفي البداية كانت السبايا تهدى لمقاتلي داعش الذين اشتركوا بالهجوم على سنجار وفيما بعد تم نقل بعضهن إلى سوريا.

في أواخر عام 2014 انتشر فيديو مصوّر لمجموعة من الشبان الملتحين بستراتهم المعبأة بالذخيرة وهو يتناقشون عن بيع النساء. أحدهم أخبر رفيقه أنه بإمكانه بيع جاريته أو إعطائها كهدية وبإمكانه أيضًاشراء أخرى مقابل مسدس.

وبحلول صيف عام 2013، أصبحت الرقة، التي تقع 370 كم غرب الموصل رسمياً عاصمة لداعش، حيث توافد الأنصار من جميع أنحاء العالم للانضمام للتنظيم إضافة إلى النساء اللواتي قدمن من سنجار.

تقول زهرة، ابنة مزارع من كوجو: “عندما وصلنا إلى مزرعة قرب الرقة، لمحنا أربع أو خمس حافلات مليئة بعناصر التنظيم بشعر ولحى طويلة. كانوا كالحيوانات. قدموا إلينا في اليوم الأول وبدأوا بانتقاء الفتيات لأنفسهم. راح اثنان أو ثلاثة منهم بجلب الفتيات وتعصيب أعينهن وإجبارهن على دخول السيارة رغم تعالي أصوات بكائهن وعويلهن”.

كان بإمكانهن رؤية نهر الفرات من الطابق الثاني في المبنى لكنهم احتجبوا بالأشجار المحيطة والأسوار عن أنظار المارة.

وأضافت زهرة: “كنا نهرب منهم كما تهرب الأغنام من الرعاة عندما يتوجهون نحوها”. حاولتِ الهروب لكن سياج المزرعة أعاقها. جلب الرجال ما يقارب 20 إلى 40 فتاة في اليوم الأول حيث تم تأمين الطعام عبر مطعم محلي لكن لم يستطعن تناوله من شدة الخوف. رحن يغطين وجوههن بالتراب في محاولة لإبداء عدم جاذبيتهن على أمل ألا يتم اختيارهن”.

نقلت زهرة وشقيقتها بعد يومين إلى أحد سجون داعش تحت الأرض في الرقة حيث تم احتجاز المئات من النساء في ثلاث غرف، وكان واحداً من عدة سجون مماثلة أعدت لاحتجاز النساء في الرقة. تم جلب الفتيات ليلاً كي لا يتسنى لهن رؤية البيئة المحيطة للمبنى، وهي استراتيجية مماثلة لتلك التي تتبعها الحكومة السورية في السجون كما تقول ساريتا أشرف.

وفي داخل السجن كان على النساء أن يتقاسمن عدة مراحيض قذرة تضطرهم للوقوف على مياه الصرف الصحي حيث كانت تتكاثر على أجسادهن الذباب. تقول إحدى السجينات بأن الإضاءة الوحيدة كانت عبر مصباحين يعملان بالطاقة الشمسية. يمنحهم الحراس قطعة صغير من الخبز والجبن صباح كل يوم وفي المساء بعض الأرز والحساء.

جلست بعض النساء على أكياس أو قطع من الثياب لتجنب ملامسة الأرض القذرة. استمر الأطفال بالبكاء بسبب الجوع في حين ظلت النساء بترقب مستمر للاغتصاب أو الموت. تقول امرأة من تل قصب تبلغ الثلاثين وسأدعوها “خولكا”: “كانوا يضربوننا باستمرار وعانينا من الإسهال بسبب الخوف”، وصلت إلى السجن مع أطفالها الأربعة داخل شاحنة تبريد تستخدم عادة لنقل المثلجات. “لم نستحم لمدة شهر وملأ القمل شعرنا. بعد شهرين أخذونا للخارج لكن لم نستطع الوقوف على أقدامنا لأننا لم نتعرض للشمس لفترة طويلة.”

وشمت خولكا نفسها باسمي زوجها ووالدها أثناء وجودها في السجن كي يمكن التعرف على جسدها وإعادته إليهم إذا تم قتلها. فعلت ذلك عبر خلط حليب امرأة مرضعة مع التراب واستخدمت إبرة استطاعت تهريبها إلى السجن. ومع بعض الخيوط والإبرة ذاتها قامت بتطريز الأسماء والأرقام المدرجة في هاتفها على ملابسها الداخلية في حال مصادرتهم له إذا وجدوه بحوزتها. تلقت خولكا التعليم في المدرسة على خلاف الكثير من النساء في ذلك السجن وخاطت ثيابهن بأسماء أزواجهن وأرقامهم.

نقلت خولكا إلى غرفة جانبية في السجن مع أطفالها ليتم تصويرها حيث منحت رقم العبدة 16 وطبع الرقم فوق صورتها. كان هناك حوالي 500 امرأة في السجن، وكان على كل منهن أن يقفن مع أطفالهن لالتقاط صورة ومنحهن رقماً خاصاً. قبل أن تُلتقط الصورة قامت بقص شعر ابنتها لتبدو وكأنها صبي فلو تعرف أحد الحراس على ابنتها بأنها فتاة شابة زادت فرص فصلهم عنها. أما السجينات الأخريات فقد سعين لصبغ شعرهن بالتراب في محاولة للتشبه بشعر خولكا الرمادي ظناً منهن بضمان إطلاق سراحهن.

وفي نفس السجن اجتمعت زهرة بشقيقاتها في غرف صغيرة، حيث شرعن بالصراخ والبكاء مع قدوم الحراس في منتصف الليل لأخذ الفتيات حيث توجهوا نحو أختها الوسطى أولاً وعندما توسلت زهرة إليهم بعدم فصلهم قام أحد الحراس بجلدها.

بعد أخذ شقيقتها من الزنزانة فتح الباب مرة أخرى، وهذه المرة قام رجلين ضخمين بجر زهرة ودفعها نحو السيارة.قاد الرجال السيارة نحو منزل أحد أعضاء تنظيم داعش في الرقة حيث أبقاها كجارية له ثم باعها بعد أربعة أشهر لمقاتل آخر لم تكن مطيعةً له فباعها مباشرة لآخر يبلغ الثامنة عشرة فقط حيث كان يقطن في مجمع للمقاتلين الليبيين قرب دير الزور شرقي سوريا.

كانت العديد من الفتيات الإيزيديات محتجزات في نفس التجمع الذي يتراوح بين 100 و200 قافلة حيث يعيش المقاتلون الليبيون. تم تكبيل النساء والفتيات بالسلاسل كالحيوانات وراح الرجال يتناوبون عليهم بالضرب والاغتصاب، وعلى حدود التجمع منعهم السياج الشائك من الفرار. إن قصص الاحتجاز والتعذيب التي عانت منها النساء الإيزيديات في هذا التجمع هي من بين الأسوأ في قائمة الانتهاكات.

بعد أكثر من شهر أُعيدت ليلى وثلاث فتيات أخريات من كوجو إلى العراق حيث احتجزن في قاعدة عسكرية بالقرب من الحدود العراقية السورية على بعد أكثر من 200 كم جنوب سنجار في محافظة الأنبار. كانت القاعدة العسكرية في القائم وهو معبر حدودي بين سوريا والعراق، لكن في ذلك الوقت كان تحت سيطرة الخلافة ومجرد نقطة توقف بين المناطق الخاضعة لسيطرة داعش. كما كانت نقطة عبور مشتركة للجواري اللواتي يتداولونها بين الأسواق في مدن وبلدات داعش. بيعت ليلى لرجل يدعى محمد ولكنه بدا مألوفاً لها، فتذكرت بأن عائلته كانت معيلة لأسرتها.

عندما تعرفت ليلى على محمد شعرت بالارتياح ظناً منها بأنه سينقذها ويعيدها إلى عائلتها، لكنه باعها بدلاً عن ذلك. بعد ثلاثة أيام تم نقلها إلى قاعدة عسكرية قرب الرمادي وبيعت إلى قائد عسكري في تنظيم داعش. في وقت لاحق، تمكنت من الهروب وسكنت بغداد لمدة حيث سألها أحدهم عما ستفعله إذا رأت محمد مرة أخرى، فقالت: “سأحرقه حيًاً”.

كان القائد العسكري المعروف باسم شاكر واهب الذي اشترى ليلى في الرمادي ساديّاً معروفاً أصيب بجروح بالغة في القتال وأصبح يتاجر بالنساء لأغراض الجنس وينظم عمليات الاغتصاب الجماعي. لدى وصول إحدى النساء في مطلع عام 2016 وحيازتها لهاتف محمول، تمكنت ليلى من الاتصال بشقيقها في كردستان وطلبت منه إرسال أحد ما لإنقاذها قبل أن يتم نقل المرأة وهاتفها معها. استمرت المكالمات لمدة يومين بين ليلى ومهرب يدعى عبد الله حيث ساعدها على الفرار في النهاية. كان عبد الله يعمل في حلب ولديه شبكة واسعة من الاتصالات التجارية في سوريا والعراق، وأصبح مهرباً بعد اختطاف داعش لخمسين شخصاً من أفراد عائلته.

معظم المهربين الذين يعملون على إنقاذ النساء الأيزيديات هم رجال أعمال أيزيديون. ويتم شراء النساء لتحريرهنّ من مقاتلي داعش الذين يحتجزوهن أو من أسواق الرقيق أو المزادات عبر الإنترنت، وتكلفة التهريب تعكس الخطر المنطوي على ذلك فليس من الواضح كمية النقد المدفوعة لداعش وتلك التي تُدفع للوسطاء أو المهربين.

وتزدهر السوق السوداء فلا يبقى للأسرى أي خيارات أخرى. تستمر الحرب مع داعش في محاولة لإعادة الأراضي من المسلحين، لكن يخبرنا الإيزيديون بأنهم يفضلون إنقاذ النساء والأطفال المحتجزين بدلاً عن استعادة المناطق.

بعد وصولهما إلى بغداد، سافرت ليلى وابنة أخيها شمالاً إلى مدينة السليمانية الكردية، ثم عبرتا الطرق المؤدية إلى المخيمات التي لجأ إليها العديد من الإيزيديين من سنجار، حيث كانت عائلاتهم بانتظارهم. عندما وصلت ليلى انهارت بالبكاء بين أحضان أقاربها، ومن شدة الصدمة كانت تواجه صعوبة في فهم الكلام الموجه إليها في الأسابيع الأولى.

تقول ليلى أن الأخبار تفيد بأن الجيش يحرر المزيد من الأراضي والقرى، لكن ما يقلقنا هو شعبنا الذي ما زال محتجزًاً. “نعلم أن معظمهم في الرقة، فلماذا لا يذهب (الجيش) إلى هناك لينقذهم؟”

يجدر بالذكر أن معظم الإيزديين يتكلمون اللغة الكردية وهم جماعة دينية يعيش معظمهم شمال العراق. ويبلغ عددهم أقل من مليون شخصًا في جميع أنحاء العالم. وعلى مرّ التاريخ تعرض الإيزديون للاضطهاد على يد الحكام المسلمين الذين اعتبروهم كفارًا وأمروهم باعتناق الإسلام. تشمل طقوسهم الدينية زيارة الأماكن المقدسة وهم يشاركون في التعميد والأعياد ويرددون الترانيم ويروون قصص المعارك التاريخية والأسطورية التي قامت دفاعًا عن الدين. وقصص أخرى تناقلتها النساء عبر العصور تروي مقاومة الإيزديات لنفس المخاطر التي يواجهنها الآن.

وقد ساهم التهجير القسري في ظل حكم صدام حسين والانهيار الاقتصادي نتيجة عقوبات الأمم المتحدة وانهيار الأمن بعد 2003 بإضعاف الإيزديين. ويوجد في العراق حاليًا حوالي 500 ألف منهم، معظمهم في منطقة سنجار في محافظة نينوى شمال البلاد، وقد فر معظم إيزديي سوريا وتركيا إلى الدول المجاورة أو الأوروبية، ويقدَّر عددهم في ألمانيا حوالي 25 ألفًا.

في مقالٍ له عن فلسطين وصف تيجو كول الكاتب الأميركي من أصول نيجيرية العنف الذي يتعرض له العالم بالعنف البارد، ذاك الذي يستغرق وقتًا ليتشكل وتظهر نتائجه، ويشمل الإهانة والنسيان والإهمال. فهناك عنف واضح في تصريحات السياسيين عن اللاجئين وخوف الغرب من الغرباء القادمين ورفض البشر “للآخر” وتهميشه اجتماعيًا، وعندما يندمج العنف الفعليّ الجسدي مع هذا العنف الأخلاقيّ نحصل على عمليات قتل جماعية يقع ضحيتها أكثر الفئات ضعفًا.

لم أدرك إلا في وقت لاحق من تقريري عن تمكن بعض الإيزديات من الهروب أهمية قصص الأسر والمقاومة للتعامل مع هذه الصدمة سواء بالعودة إلى التاريخ أو ما يحدث الآن مع داعش. فالديانة والهوية الإيزدية منغلقة على نفسها ويتناقلها الأجيال من خلال الحكايا والموسيقى وتوسعت هذه الطقوس الآن لتشمل أساليب التعامل مع الصدمات التي خلّفها داعش في نفوس الإيزديين.

تمكن بعض الإيزديين من الفرار وذلك بالمشي عبر الحقول الموحلة عند حلول الظلام وقد تجنبوا المشي في الوديان خوفًا من نقاط تفتيش تنظيم داعش وللوصول إلى البيشمركة. تمكن الكثير من الإيزديين من الهرب خلال الأيام القليلة الأولى إذ لم يزل لدى بعضهم هواتفهم المحمولة المخبأة وقد استطاعوا الاتصال بأقاربهم في كردستان العراق وإخبارهم عن موقعهم. ولكن مع قلة الدعم الدولي والحكومي شعرت العديد من الأُسر المُختطفة باليأس وتخلي أفراد أسرهم عنهم.

وقال توم مالينوسكي مساعد وزير الخارجية الأميركية السابق للشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان أنه في غضون أيام من دخول داعش تحولت المكالمات الهاتفية من طلب النجدة والعون إلى الإعلام عن خطف النسوة والتوسل من أجل إنقاذهنّ. وأضاف في مقابلة صحفية أجريت خلال زيارته إلى أربيل في شباط 2016 أن “عملية إنقاذ الرهائن تعدّ من أخطر العمليات في الوقت الراهن خاصةً أن النساء لم يعدن محتجزات في موقع واحدٍ كما كنّ في السابق، إنهن الآن متفرّقات والوضع مأساويّ، ولكننا لن ننسى الأمر وسنحاول ما بوسعنا”.

وحتى الآن لم تصل بعثات إنقاذ كبرى لتحرير الإيزديات في سوريا والعراق سواء من الولايات المتحدة الاميركية أو العراق أو إقليم كردستان.

لا خيار أمام داعش وعقلية عناصره إلا قتل الرجال الكفار، ومن هذا المنطلق فهم يبررون سبي النساء لحمايتهم والقيام عليهم، وهذه الفكرة لها أهمية عظمى وخطيرة في تصوير مفهوم داعش للاستعباد والخلافة.

وبحسب ساريتا أشرف المحققة السابقة في الأمم المتحدة فإن محاولة القضاء على المجتمع الإيزدي ينبع من إيمان البعض بأن المجتمع سيكون أفضل حالًا دونهم وهو اعتقادٌ شائع لدى مرتكبي جرائم الإبادات الجماعية، ففي نهاية المطاف نرى أن إيديولوجية داعش في الغزو تهدف لإدخال النساء في الإسلام من خلال سبيهن. ووفقًا لما نشرته داعش فإن الرقّ شرف في الشريعة الإسلامية ويُظهر سيادة قومٍ على آخر وهيمنة دولتهم. ويبرر داعش استعبادهم هذا باستخدام مزيج من الأحاديث والجمل الخرقاء حول الحرب واستخدام القوة وفرض السلطة بالسيف.

وأوضحت كاثرين براون أستاذة الدراسات الإسلامية بجامعة برمنغهام البريطانية: “داعش تبرر السبي من خلال استخدامها لبعض الأحاديث الدينية وسيرة النبي وأصحابه، فهم يؤمنون بأنهم يقدمون خدمة للمجتمع وأن السبايا تُقدّم لهم كتعويض عن هذه الخدمة. فهم اختاروا زاويةً خاصة للنظر في هذه الأحاديث متجاهلين الروايات التي تأمر بعدم قتل الأسرى”.

استُعمل مفهوم سبي النساء وأخذهن كجواري كطُعمٍ سائغ لتجنيد الشباب وحثهم على الانضمام إلى داعش، ومن جهة أخرى فإن القصص الإعلامية التي تروي استعباد الرجال المسلمين لنساء غير مسلمات خلقت نوعًا من الانقسام في المجتمع استطاعت داعش استغلاله إلى حد بعيد.
وبالرغم من أن بعض الوثائق التي نشرها داعش ظهرت بها آيات قرآنية وأحاديث تدعو إلى الرحمة والرأفة ومعاملة العبيد بلينٍ والكف عن ضربهم إلا أن هناك تناقض كبير بين ادعاءاتهم وواقعهم الإرهابي إذ جعل داعش الاغتصاب كعقوبة جسدية ونفسية تدفع ثمنها كل فتاة حاولت الهرب. واصلت العديد من النساء الكفاح ضدّ داعش معرَّضين للعقاب والقتل سعيًا وراء الحريـة.
من الناحية التاريخية ربط الإيزيديون التعليم الرسمي بسلطات الدولة القمعية وقمع لغتهم الخاصة والتهديد بالتحول الديني. في السنوات التي سبقت عام 2014 تحسنت معدلات الإلمام بالقراءة والكتابة في سنجار، لكن العديد من النساء عملن في الحقول لدعم أسرهن بينما ذهب الصبية إلى المدرسة. وقد زادت الأمية من صعوبة هروب النساء إذ لم يستطعن قراءة الإشارات على المباني غير المألوفة في البلدات والمدن الواقعة تحت سيطرة داعش.

تقول شريزان مينوالا، المحامية عن حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين: “قاومت بعض النساء تغيير الدين القسري الذي مارسته داعش، وقمن بحماية أنفسهن وأطفالهن ضد العنف، وقد أظهرت مقاومتهن كماً هائلاً من الذكاء والشجاعة والقوة،”

كانت الخيبات كبيرة. في وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت القوات العراقية – مدعومة بغطاء جوي من قوات التحالف – النصر على داعش في الموصل. لكن بالنسبة للكثيرين كان ثمن النصر غالياً فقد تم قتل المدنيين على يد داعش أثناء محاولتهم الفرار، فضلاً عن تعرضهم للقصف من قبل القوات العراقية والتحالف. وفي آذار عام 2017، أسفرت غارة جوية أمريكية على منزل كان يؤوي العائلات في غرب الموصل عن مقتل ما يزيد عن 100 مدني.

توجهت الأنظار الآن من العراق إلى تواجد داعش في سوريا وإلى معركة الرقة. وفي الوقت الذي يستعد فيه السياسيون العراقيون وروادهم العسكريون لتهنئة أنفسهم، فإن الطائفة الإيزيدية تلوح بأنظارها من معسكرات النزوح والمنازل المستأجرة والملاجئ القسرية في الخارج. وبعد مرور عامين على تطهيرها من تواجد داعش من قبل القوات الكردية، تبقى سنجار في حالة من الخراب. وتجري حالياً موجة جديدة من القتال في منطقة سنجار، حيث تتطلع تركيا إلى توغل عنيف بعد قصف المنطقة في نيسان، فالفكرة القائلة بأن هذا يمثل “التحرير” يعتبرها الإيزيديون مزحة سيئة. حاولت الأمم المتحدة ومنظمات أخرى الاعتراف بالإبادة الجماعية وتوثيقها لكن العدالة أبعد مما تكون عليه في ذلك. وفي الوقت نفسه، تستمر معركة البقاء للنساء والفتيات اللواتي احتجزهن داعش لفترة طويلة.

حررت سنجار من قبل القوات الكردية بقيادة البيشمركة في تشرين الثاني عام 2015. ومنذ ذلك الحين، كانت البيشمركة والجماعات المسلحة الكردية الأخرى في نزاع مع بعضها البعض، إلى جانب توفير الجماعات المتنافسة للأسلحة والتدريب والدعم للأيزيديين المحليين. تلوح الأعلام الملونة لمختلف الجماعات فوق نقاط التفتيش الخاصة بها، والتي تبعد بعضها مترين فقط عن الطرق التي كانت تسيطر عليها داعش مؤخراً.

يخشى الإيزيديون الآن تجدد الهجمات، ليس من قبل داعش فحسب، بل ومن قبل المحررين الأكراد. فالإيزيديون أنفسهم غير متجانسين سياسياً، ولا يثق العديد منهم بالجماعات الكردية المنافسة. وبحلول أيار عام 2016، وعلى الرغم من التحرير، لم تعد سوى 3320 أسرة إلى قضاء سنجار.

يحقق تنظيم داعش المكاسب في ظل استمرار الاقتتال الداخلي، فالإيزيديون عالقون في سلسلة معقدة من العلاقات بين المستفيدين والقادة الأكراد، إذ يتم استغلال التعريف العرقي مقابل وعود بالسلام. وفي الوقت نفسه، لا يزال الإيزيديون غير قادرين على تحديد مستقبلهم العسكري أو السياسي، ومع استمرار الاشتباكات العسكرية تتضاءل فرص التسوية السياسية بين قوات التحرير المتنافسة.”

كاثي أوتن- صحيفة الغارديان
ترجمة: زينب الحكيم
نشر المقال الأصلي بتاريخ: 25-7-2017

النهاية

مقالات ذات صلة