الثلاثاء, مارس 19, 2024

آخر الأخبار

الداخلية تعلن تجهيز مئات المراكز لشراء السلاح من المواطنين

شفقنا العراق ـ في خطوة لحصر السلاح بيد الدولة...

بدء إرسال رسائل للمشمولين بحملة “العراق هويتي”

شفقنا العراق- أعلنت هيئة الحماية الاجتماعية في وزارة العمل...

وزارة العمل تطلق وجبة جديدة من قروض المشاريع الصغيرة المدرة للدخل

شفقنا العراق- أعلن وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي...

الشرطة العراقية تضبط وكرين لتهريب النفط وتقبض على عدد من المطلوبين

شفقنا العراق- في إطار المهام اليومية التي تقوم بها...

فريق طبي أجنبي يجري عمليات جراحية لأول مرة في مركز ميسان لجراحة القلب

شفقنا العراق - لإجراء عمليات جراحية معقدة في تشوهات...

تعزيز أمن مطار بغداد الدولي محور اجتماع في وزارة الداخلية

شفقنا العراق- بهدف تعزيز أمن مطار بغداد الدولي ومنظومة...

بسبب الأمطار.. خمس محافظات تعطل دوامها غدًا الثلاثاء

شفقنا العراق ــ بسبب الموجة المطرية المتوقعة، أعلنت خمس...

شريطة استخدام الري الحديث.. توجه لتوسيع زراعة الشلب

شفقنا العراق ـ توسيع زراعة الأراضي بمحصول الشلب محور...

لمواجهة الأحوال الجوية السائدة.. الكهرباء تستنفر كوادرها

شفقنا العراق ـ استنفرت وزارة الكهرباء كوادرها بشكل كامل...

ممثل المرجعية العليا يستعرض فضائل شهر رمضان المبارك وأهمية السجود

شفقنا العراق ــ استعرض ممثل المرجعية الدينية العليا ما...

رئيس الوزراء: “الاستقرار في العراق يؤكد التقدم بملف إنهاء وجود التحالف الدولي”

شفقنا العراق ــ فيما أشار إلى مضي الحكومة بتوسعة...

سبعة قرارات حكومية جديدة تخص الشباب في العراق

شفقنا العراق ــ في إطار الاهتمام المتزايد بشريحة الشباب...

نهضة الأمة في المنظور القرآني وأسباب زوالها؛ بقلم د. خليل خلف بشير

شفقنا العراق-من أبرز أسباب زوالِ النهضة عن الأمة، انحراف...

الأثر الروحي والمعنوي للصوم؛ بقلم آية الله ناصر مكارم الشيرازي

شفقنا العراق-‏الأثر الروحي والمعنوي للصوم يشكل أعظم جانب من...

نصائح صحية وغذائية في شهر رمضان المبارك

شفقنا العراق- الحفاظ على الصحة يعتمد في أحد أهم...

قاسم الشيباني.. 35 عامًا في تقديم الضيافة جعلت منه علمًا اجتماعيًا في مجالس النجف

خاص شفقنا العراق ــ استطاع الرجل الأربعيني قاسم الشيباني...

القوات العراقية تقبض على 3 إرهابيين في الأنبار وكركوك

شفقنا العراق ـ تواصل القوات العراقية ملاحقة فلول التنظيمات...

المدن السكنية.. مشاريع طموحة لحل أزمة السكن في العراق

شفقنا العراق ــ تعد أزمة السكن في العراق، من...

لتأمين رية الفطام .. الموارد تتجه لزيادة إطلاقات سدي الموصل وحديثة

شفقنا العراق ـ تتجه وزارة الموارد المائية إلى زيادة...

بمناسبة عيد الربيع.. تعطيل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

شفقنا العراق ـ بمناسبة عيد الربيع "نوروز"، أعلنت الأمانة...

تماشيًا مع مبادرة “أوبك”.. العراق يعلن التزامه بالخفض الطوعي للصادرات النفطية

شفقنا العراق ـ فيما أكد العراق موقفه الداعم لمبادرات...

للمشاركة في الختمة الرمضانية.. المجمع العلمي ينظم زيارات إلى كربلاء

شفقنا العراق ـ للمشاركة في الختمة القرآنية الرمضانية المركزية...

وزير التعليم: علماء العراق قادرون على استعادة حق امتلاك الطاقة النووية السلمية

شفقنا العراق ــ فيما أكد أن علماء العراق قادرون...

العتبة الكاظمية تنظم برنامجًا توجيهيًا وتطلق أنشطة قرآنية متنوعة

شفقنا العراق- فيما نظّمت برنامجًا توعويًا وتوجيهيًا لمجموعة من...

حجة الإسلام ورعي لـ”شفقنا”: السيد السيستاني لعب دورا كبيرا بالعراق باعتماده العقلانية السلوكية واستيعاب الشروط الزمانية

خاص شفقنا-أحياناً يستدعي حسم موضوع معقّد إصدار حكم شرعيّ أو فتوى من قبل المرجعيّة كي تفتح الطرق المسدودة وتمهّد الطريق أمام كلّ ما من شأنه صلاح شأن الأمّة. في المقابل، قد تكون تلك الفتاوى والأحكام عقيمةً دون تأثير، فتفقد دورها المتوخّى، عندئذٍ تفرض الأسئلة التالية نفسها: ما الذي يجب أن تتمتّع به الأحكام والفتاوى من مزايا حتى تنال درجة التأثير المصيريّ؟ وهل كانت مكانة المرجعيّة وإصدار الفتاوى في عالم التشيّع في سبيل إصلاح أمر الأمّة متناسبةً وحجم التوقّعات دائماً؟ ما نطاق دائرة تدخّل المرجعيّة في القضايا وإصدار الفتوى حيالها؟

في معرض ردّه على تلك التساؤلات، يقول حجّة الإسلام والمسلمين السيّد جواد ورعي، الأستاذ والباحث في الحوزة العلميّة: “لقد أثبتت وقائع التاريخ أنّه لا يمكن للفتاوى والأحكام التي تصدر عن مؤسّسة المرجعيّة أن تكون مؤثّرة، إلا إذا استوعبت كافّة المناحي والأبعاد واستندت لفهم صحيح عن المجتمع وواكبت الشروط الزمانيّة والظروف المكانيّة، ما يسمح لها بأداء دورها في دفع المخاطر وإحباط التهديدات التي تستهدف كيان الإسلام والمسلمين. وقد حدث، في مواقف نادرة، أن تدخّل بعض الفقهاء والمراجع في أمور لم تكن تتناسب وشأنهم؛ بمعنى التورّط في مجالات خارجة عن نطاق تخصّصهم، ليتبيّن فيما بعد استناد الفتوى لفهم خاطئ، ناهيك عن التداعيات السلبيّة التي رافقتها.”

وأضاف: “إذن، أرى أنّ من الأمور الحسّاسة التي يجب الاهتمام بها في عصرنا الحاليّ، ضرورة وجود مستشارين ذوي مصداقيّة يحيطون بالفقهاء والمراجع، يناط بهم أمر نقل المعلومات والحيثيّات الصحيحة إليهم، ليقطعوا الطريق أمام أيّ تعجّل في إبداء الرأي والإجابة عن كلّ سؤال والتدخّل في كلّ موضوع؛ إذ أحياناً يرجع البعض إلى المراجع عارضين تطلّعاتهم منهم، ولا سيّما في حمأة اشتداد التنافس السياسيّ بين مختلف التيارات في المجتمع، فيسارع المراجع بدورهم وبحسن نيّة للعمل على تلبية مطالبهم من خلال التدخّل في قضايا لا يملكون الإحاطة الكاملة بمختلف أبعادها، الأمر الذي ينعكس سلباً عليهم في المجتمع ويؤدّي لنوع من التعاطي السلبيّ مع تلك الفتاوى والمواقف الدينيّة ليُصار إلى الانتقاص من شأن المرجعيّة والفتوى وتعريضهما للوهن والضعف”.

ونوّه بدور المرجعيّة العليا بالقول: “لقد نجح سماحة آية الله السيستانيّ، في العصر الحاضر، في لعب دور بالغ الأهمّيّة نحو تحقيق أهداف العراق بالقرارات الصائبة التي اتّخذها بالاعتماد على كلٍّ من “العقلانيّة التي تطبع سلوكه” و”الاستيعاب السليم للشروط الزمانيّة والسياسات الغالبة على عصره” و”اتّخاذ الأسلوب الصحيح” الذي يحظى بدعم المراجع الآخرين وشريحة المجتمع من أهل السنّة فضلاً عن الطبقة السياسيّة في العراق”.

فيما يلي النصّ الكامل للحوار الذي أجرته وكالة “شفقنا” مع حجّة الإسلام والمسلمين السيّد ورعي:

-أثبتت وقائع التاريخ مدى التأثير الكبير الذي يمكن لفتوى وحكم شرعيّ أن يبلغه في الأبعاد السياسيّة والاجتماعيّة وحتى الثقافيّة ناهيك عن دوره في منع وقوع أحداث سلبيّة مباغتة وما تضفي من قيمة مضافة لمئات المرّات على مقام المرجعيّة التي يتوقّف عمق تأثير الفتوى والحكم على شخصيّة المصدر لهما؛ من هنا، ما مدى تأثير أسلوب سماحة آية الله السيستانيّ وسلوكه ونفاذ بصيرته في صون مكانة المرجعيّة ومقام الفتوى حتى اليوم؟ 

في البداية لا بدّ من تسليط الضوء على “مكانة المرجعيّة طوال تاريخ العراق”؛ فقد كان تدخّل المرجعيّة الشيعيّة في المفاصل الحسّاسة والخطيرة عاملاً أساسيّاً في درء تهديدات ومخاطر مهمّة عن العالم الإسلاميّ والتشيّع، ومن يطالع تاريخ ذلك البلد خلال فترة القرن والنصف الأخيرة يدرك هذه الحقيقة منذ عصر المرحوم الميرزا الشيرازيّ صاحب فتوى تحريم التبغ والتنباك والذي استطاع بفتواه أن يدفع تهديداً جدّيّاً عن المجتمع الشيعيّ بإيران في تلك المرحلة بمواجهة استبداد ناصر الدين شاه القاجاريّ والاستعمار الإنجليزيّ، تأكيداً لثقل المرجعيّة باعتبارها مركز قوّة عالمياً تركّزت بؤرتها في العراق خلال مختلف العصور لتكون قاعدة لمراجع الشيعة في مواجهة الاستعمار والاستبداد.

أمّا في العصر الحاضر، فقد نجح سماحة آية الله السيستانيّ في لعب دور بالغ الأهمّيّة في مسار تحقيق أهداف العراق بالقرارات الصائبة التي اتّخذها بالاعتماد على كلٍّ من “العقلانيّة التي تطبع سلوكه” و”الاستيعاب السليم للشروط الزمانيّة والسياسات الغالبة على عصره” و”اتّخاذ الأسلوب الصحيح” الذي يحظى بدعم المراجع الآخرين وشريحة المجتمع من أهل السنّة فضلاً عن الطبقة السياسيّة في العراق، وهذه سيرته أكبر شاهد على ما قام به من إنقاذ العراق من مختلف الأخطار والأخذ بيد الشعب العراقيّ لتقرير مصيره بنفسه. عندما تشرّفنا بلقاء سماحة آية الله السيستانيّ، خلال السنوات الماضية، أخبرنا: لقد استطعنا من خلال التأكيد على الديمقراطيّة وإجراء الانتخابات على مبدأ “لكلّ عراقيّ صوت”، أن نؤكّد على حقّ الشعب العراقيّ في تقرير مصيره بنفسه وسيادته عليه وحده، فضلاً عن تمكّننا بتبنّي ذلك الخيار أن نثبت أنّ الشيعة يمثّلون أغلبيّة الشعب العراقيّ، ما ساهم في استيفاء الشيعة حقوقهم قطعاً للطريق في وجه كلّ من يستهدف تلك السياسة التي قامت على أساس تبنّي مرجع دينيّ تنظيم العمليّة الانتخابيّة على مبدأ “كلّ عراقيّ يمثّل صوتاً” وله الحقّ في تقرير مصيره بنفسه، في أجلى مظهر من مظاهر الديمقراطيّة والتي لا يمكن لأيّ أحد إنكارها أو معارضتها.

-كيف يمكن للمراجع استثمار عنصر الفتوى في إصلاح أمر الأمّة الإسلاميّة وفكّ حالات الاستعصاء؟ وهل قدّم التاريخ، حتى يومنا هذا، نماذج عن مثل تلك الفتاوى التاريخيّة والناجعة يمكن الرجوع إليها؟

لقد أثبتت وقائع التاريخ أنّه لا يمكن للفتاوى والأحكام التي تصدر عن مؤسّسة المرجعيّة أن تكون مؤثّرة، إلا إذا استوعبت كافّة المناحي والأبعاد واستندت لفهم صحيح عن المجتمع وواكبت الشروط الزمانيّة والظروف المكانيّة، ما يسمح لها بأداء دورها في دفع المخاطر وإحباط التهديدات التي تستهدف كيان الإسلام والمسلمين؛ فمن تلك الأحكام التي أصدرتها المرجعيّة في العراق، على سبيل المثال، فتوى تحريم التنباك والتبغ في عصر الميرزا الشيرازيّ، ناهيك عن الفتاوى والأحكام التي أصدرها مراجع زمانهم في المراحل الزمنيّة التالية من أمثال الميرزا محمّد تقي الشيرازيّ، سيّد محمّد كاظم اليزديّ، سيّد أبي الحسن الأصفهانيّ والشيخ محمّد حسين النائينيّ (رحمة الله عليهم) في مواجهة تغلغل نفوذ الأجانب سياسيّاً أو اقتصاديّاً وثقافيّاً. ولا يمكن لمن يحظى بأدنى اطّلاع بالتاريخ إلا أن يذعن بمدى تأثير تلك الفتاوى والأحكام في إنقاذ العراق وشعبه.

في هذا السياق، أصدر سماحة آية الله السيستانيّ، في العصر الحديث، أحكاماً عديدة حظيت بدعم جميع مراجع الشيعة في العراق وخارجَه في مختلف المراحل، ما يدلّ على انبثاق أحكامه من معرفة عميقة وصحيحة بشروط الزمان وظروف المجتمع حتى تترك ذلك التأثير الكبير.

إذن، لا تمثّل المرجعيّة ثروة خاصّة بالشيعة وحدهم فحسب، بل هي ملك للعالم الإسلاميّ أجمع؛ إذ لا أدلّ على عظمة تلك الثروة التي تدعو للتقدير من التأثير الذي يحمله فتوى المرجع وحكمه في أوساط شرائح الشعب المتنوّعة بحيث تملك القدرة على تعبئة شعب بكامله للدفاع عن بلده، حتى أدرك غير المسلمين في العراق، ممّن تعرّضوا لاستهداف الزمر التكفيريّة الداعشيّة  وتلقّوا ضربات قويّة منها، أهمّيّة وجود مؤسّسة المرجعيّة ودورها في دفع تلك المخاطر والتهديدات عن العراق.

-بغضّ النظر عن عن شخصيّة سماحة آية الله السيستانيّ وخصائصه الشخصيّة، هل كانت مكانة المرجعيّة ودورها في العالم الشيعيّ من خلال إصدار الفتاوى لإصلاح شؤون الأمّة تتناسب وحجم التطلّعات منها بشكل عامّ؟   

بشكلٍ عامٍّ، لا يمكن إنكار التأثيرات التي خلّفها الاتّجاه العام لمسار الفتاوى والأحكام الصادرة عن مؤسّسة المرجعيّة، دون أن يعني ذلك التغاضي عن بعض الحالات التي انضمّ فيها بعض الأشخاص لتلك المؤسّسة عبر التاريخ ليصبحوا من مصاديق المرجعيّة وأصدروا فتاوى أو أحكاماً لم تقم على أساس سليم من فهم حركة المجتمع والشروط الزمنيّة الحاكمة، فلم تفقد تأثيرها اللّازم فحسب، بل تركت آثاراً سلبيّةً. إلا أنّ تلك الحالات لن تنتقص من مسار المرجعيّة العامّ والذي أقيّمه إيجاباً وأعتبر وجود مؤسّسة المرجعيّة ذخراً للأمّة الإسلاميّة.

كنت قد أشرت لمدى تأثير حكم وفتوى سماحة آية الله السيستانيّ ضدّ داعش، والذي أدّى لحشد الشعب العراقيّ للدفاع عن بلده، وهو أمر جاء لصالح شريحة أهل السنّة في العراق أكثر منه للشيعة؛ فقد كانت داعش تنسب نفسها للسنّة في كلّ ما ارتكبت من جرائم شكّلت وصمة عار لأهل السنّة جميعاً. من هنا، ندرك فضل سماحة آية الله السيستانيّ في مسح تلك الوصمة عن جبين أهل السنّة، وهي خدمة لا تقدّر بثمن؛ وأتصور أنّ أهل السنّة في العراق مدينون له في ذلك ومدركون قيمة هذه الثروة التي يوافقهم عليها أتباع باقي الأديان أيضاً.

-في سياق استعراض مختلف الأبعاد التي تمنح أيّ فتوى أو حكم تأثيرها ونجاعتها، أشرتم إلى ضرورة تمتّع المرجعيّة بالنفوذ والتأثير في أوساط الناس والجماهير، فضلاً عن مواكبة المرجعيّة لتطوّرات العصر. فهل يجب إضافة بعد آخر يتمثّل في تمتّع المرجع بفكر منفتح أبعد من القيود والأطر المذهبيّة قبل إصدار الحكم؟

هذا الأمر رهن بفهم المرجع الصحيح للمجتمع الذي يعيش فيه؛ إذ لا شك في أنّ العراق يختلف عن إيران، ويحتضن أطيافاً مختلفة من القوميّات والأعراق والمذاهب والأديان والنحل، كما يشكّل السنّة في العراق حضوراً لافتاً، فقد شهد تاريخ العراق تعاقب السنّة على حكمه، ما يعكس هيمنتهم على السلطة بغضّ النظر عن بعض الحكومات التي حكمت باسمهم دون التزامهم بمبادئ أهل السنّة المذهبيّة عمليّاً.

إذن، لا يمكن لمن لا يحمل حصيلة كافية من الاستيعاب السليم عن مجتمع العراق المتنوّع وذي التجربة التاريخيّة التي لم يكن فيها للشيعة نصيب في السلطة، أن يصدر أحكاماً و فتاوى أو يتّخذ مواقف تحظى بالنجاعة اللّازمة والتأثير الكافي.

أعتقد، في هذا السياق، أنّ فتاوى وأحكام سماحة آية الله السيستانيّ ترتكز على فهم سليم للمجتمع، ويسعفه في ذلك ما يستحضر سماحته من معلومات تاريخيّة واسعة عن تجارب العراق السابقة، فضلاً عن إحاطته علماً بالتيّارات والاتّجاهات والمذاهب والنحل القائمة، الأمر الذي انعكس تبنّيه رؤية شاملة في التعامل مع قضايا العراق والمجتمعات المحيطة، بعيداً عن المقاربات التجزيئيّة التي تنحصر في الدفاع عن حقوق الشيعة فقط.

من هنا، على السياسيّين العراقييّن، بمختلف تلاوينهم، أن يعرفوا قدر مؤسّسة المرجعيّة حقّ قدرها، ولا سيّما شخص “سماحة آية الله السيستانيّ” والمحافظة على هذا الذخر العظيم.

-ما هو نطاق تدخّل المرجعيّة في القضايا وإصدار الفتاوى فيها؟ وما هي الأمور التي ينبغي للمرجعيّة أخذها بعين الاعتبار أكثر من غيرها حتى تحظى فتاواهم بمزيد التأثير لدى الرأي العامّ؟

تصدر الفتاوى بالنسبة للموضوعات الكلّيّة والعامّة؛ فيستنبط المجتهد ومرجع التقليد حكم الله في الموضوعات المختلفة من مصادرها المعتبرة، ويجب على مقلّديه فقط إطاعته في فتواه، دون مقلّدي باقي المراجع الذين لا يلزم عليهم العمل طبقه.

في المقابل، عندما يصدر مرجع تقليدٍ ما حكماً في موضوع خاصٍّ وجزئيٍّ كحكم الجهاد ضدّ داعش الذي أصدره سماحة آية الله السيستانيّ، عندئذٍ يجب على الجميع إطاعته في الحكم و مبادرة كلّ من يقدر على الجهاد لمواجهة تلك الزمرة المنحرفة؛ وهو أمر يحظى باتّفاق الجميع من لزوم إطاعة الجميع واتّباعهم لحكم الفقيه والمرجع الذي يصدر حكماً في أمر جزئيّ وموضوعيّ معيّن.

طبعاً، توجد في هذه الحالة نقطة ينبغي الاهتمام بها وهي أنّ ما يرتبط بتحديد “الموضوع” ليس من شأن الفقيه بعنوان تخصّصه الفقهيّ؛ فيجب الرجوع للعرف العامّ في حالات الموضوعات العامّة، وللعرف الخاصّ وأهل التخصّص في موارد الموضوعات الخاصّة، ليُصار إلى بيان الحكم من قبل المجتهد بعد استيعاب الموضوع والإحاطة بكافّة جوانبه بالرجوع للمتخصّصين، وهو ما يعمل به عادةً مراجع التقليد في تعاطيهم بهذا الخصوص.

من المعروف، في هذا الإطار، أنّ التدخّل في الموضوعات ليس من شأن الفقيه في مقام الفتوى، بل يعود الأمر للمكلّف؛ إذ على الفقيه الإحاطة بالموضوع لبيان الحكم، الأمر الذي يفرض عليه الرجوع إلى أهل الاختصاص ولا سيّما في الموضوعات الاجتماعيّة والسياسيّة والمعقّدة المتشابكة ومتعدّدة الأوجه، حتى إنّ بعض الموضوعات تستدعي الرجوع لمتخصّصين في فروع مختلفة، ولا سيّما في عصرنا الحاضر الذي أفرز موضوعات مستحدثة كالاستنساخ والموت الدماغيّ وغيرها في الحقل الطبّيّ، أو حتى في باقي الميادين التجريبيّة والإنسانيّة، ما يستدعي اضطلاع المجتهد بمعرفة كافية وصحيحة عن تلك الموضوعات كي يبيّن حكم الله فيها.

إذن، لن نتوقّع من المجتهد إصدار فتوى سليمة في موضوعات ذات صلة بالعلم والتقانة من قبيل الإنترنت والوسائل الحديثة التي يستخدمها البشر في عالمنا المعاصر، دون التزوّد بالمعرفة الدقيقة حولها، والتي لا يمكن تحصيلها إلا بالرجوع للمتخصّصين في تلك المجالات.

-أحياناً ترتفع أصوات من هنا وهناك مدّعيةً انعدام تأثير كلام المراجع لدى شرائح من الناس. فلو فرضنا جدلاً وجود مثل هذه الفئة القليلة، فأين تكمن المشكلة؟ هل هناك خلل في عدم استثمار آراء المتخصّصين والمستشارين بشكل سليم أثناء عمليّة إصدار الفتوى والحكم، أو يكمن الإشكال في عدم فهم المجتمع بشكل صحيح؟

لقد حدث، في حالات نادرة، أن تدخّل بعض الفقهاء والمراجع في أمور لم تكن تتناسب وشأنهم؛ بمعنى الاضطلاع في مجالات خارجة عن نطاق تخصّصهم، ليتبيّن فيما بعد استناد فتاويهم لفهم خاطئ، ناهيك عن التداعيات السلبيّة التي رافقتها.
إذن، أرى أنّ من الأمور الحسّاسة التي يجب الاهتمام بها في عصرنا الحاليّ، ضرورة وجود مستشارين ذوي مصداقيّة يحيطون بالفقهاء والمراجع، يناط بهم أمر نقل المعلومات والحيثيّات الصحيحة إليهم، ليقطعوا الطريق أمام أيّ تعجّل في إبداء الرأي أو التهوّر في الإجابة عن كلّ سؤال والتدخّل في كلّ موضوع وقضيّة.

إذ أحياناً يرجع البعض إلى المراجع عارضين تطلّعاتهم منهم، ولا سيّما في حمأة اشتداد التنافس السياسيّ بين مختلف التيارات في المجتمع، فيسارع المراجع بدورهم وبحسن نيّة للعمل على تلبية مطالبهم من خلال التدخّل في قضايا لا يملكون الإحاطة الكاملة بمختلف أبعادها، الأمر الذي ينعكس سلباً عليهم في المجتمع ويؤدّي لنوع من التعاطي السلبيّ مع تلك الفتاوى والمواقف الدينيّة ليُصار إلى الانتقاص من شأن المرجعيّة والفتوى وتعريضهما للوهن والضعف.

على كلّ حال، من الطبيعيّ أن تعمد مختلف التيّارات السياسيّة التنافسة في مجتمع ما لاستغلال موقع المرجعيّة لصالحها على حساب الأخرى، ما يفرض على المراجع ومن حولهم، في مثل تلك الحالات، التزام الوعي والتدبير، من خلال صون مقام مؤسّسة المرجعيّة منعاً لتعرّض حرمة الفتاوى والتوصيات الدينيّة التي تصدر عنها للانتقاص وحفاظاً على مصداقيّة المراجع في أوساط الجمهور.

النهاية

مقالات ذات صلة