خاص شفقنا-مع وصول دونالد ترامب الى البيت الابيض لا يمر يوم الا ونشهد تصعيدا في الازمات التي تضرب منطقة الشرق الاوسط، وكأن هناك ارادة واضحة، ليس لتأزيم الاوضاع في هذه المنطقة فحسب، بل لاستحداث ازمات جديدة والدفع بأطرافها الى الاحتراب والاقتتال.
كان اتصال هاتفي واحد من البيت الابيض يكفي لسحب كل خلاف يمكن ان يطفو على سطح العلاقات بين الدول العربية وخاصة الخليجية، الا اننا نرى اليوم امريكا لا تقوم بهذا الدور فحسب بل تحولت الى عامل رئيسي في بث الفرقة والخلاف بين الدول الحليفة لها على وجه الخصوص، فالازمة الناشبة بين السعودية والامارات والبحرين من جانب وقطر من جانب اخر والتي تهدد مستقبل مجلس التعاون، ما كانت لتطفو على السطح وتتسع لولا امريكا، التي اعلن رئيسها ترامب وبشكل علني انه وراء ما يجري من خلاف بين هذه الدول تحت ذريعة مكافحة الارهاب.
مضى وقت ليس بالقصير نسبيا على الازمة التي افتعلتها امريكا بين الدول العربية في الخليج الفارسي، دون ان تقوم امريكا باي دور جاد من اجل لحل هذه الازمة ، بل ان ترامب زاد من تصريحاته الاستفزازية والتي كثيرا ما تصب الزيت على نار الازمة ، الامر الذي دعا العديد من المراقبين للتساؤل عن الاسباب الحقيقية وراء هذا الدور السلبي بالمطلق لامريكا ازاء الازمة الناشبة بين اقرب حلفائها في منطقة الشرق الاوسط.
هذا الامر ينطبق ايضا على الحرب الدائرة في سوريا، فدور امريكا يعتبر عاملا تحريضيا على مواصلة الحرب والدمار في هذا البلد ، فكلما لاح في الافق انتصار للجيش السوري يمكن ان يقرب نهاية الحرب على الجماعات التكفيرية وعلى راسها “داعش” والقاعدة، تتدخل امريكا مباشرة عبر اسقاطها طائرات حربية وطائرات دون طيار، وقصف مطارات وقوات سورية، واخر فصول التدخل الامريكي لصالح “داعش” والقاعدة، كان التهديد الامريكي لسوريا بسبب ما اعتبرته امريكا وجود نشاط في مطار الشعيرات مماثلا للنشاط الذي سبق قصف خان شيخون بالسلاح الكيمياوي، وهو ما اعتبرته روسيا محاولة امريكية للقيام بعمل استفزازي لمساعدة القاعدة في سوريا واطالة أمد الحرب.
هذه السياسة اتبعتها امريكي مع الخلاف القائم بين جمهورية ايران الاسلامية والمملكة العربية السعودية، وهو خلاف يمكن ان يحدث بين اي دولتين في العالم، كما قد يشهد تصعيدا في احيان كثيرة وقد يتطور الى ما هو اعقد من ازمة ، ولكن الدور الامريكي اللافت في هذه الازمة ايضا يقوم على تعقيدها عبر محاولة توريط السعودية في حرب لا ناقة لها فيها ولا جملا، فالمتتبع للاعلام الامريكي هذه الايام يشعر بضغط المقالات والتحليلات السياسية التي تؤكد جميعها على ان السعودية وايران تتجهان نحو الحرب، وهي حرب حتمية، فهذه مجلة «فوربس» الأمريكية تكتب بالضرس القاطع أن طهران والرياض تقتربان بسرعة من حرب عسكرية مباشرة، الا انها استبشرت خيرا بتأثير تلك الحرب على الاقتصاد الامريكي، فالحرب ستؤدي إلى اختلال في تصدير النفط وعودة أسعاره إلى 100 دولار، وعندها يمكن لامريكا أن تزيد من كمية إنتاج نفطها الصخري حتى تتمكن من أن تعويض النقص في كمية النفط المعروض للبيع، وأن ذلك سيكون لصالح الميزان التجاري الأمريكي وللاستقرار السياسي في الولايات المتحدة!
امريكا وبشكل علني تقف وراء كل هذه الازمات التي تعصف بالمنطقة، فهي تحاول بكل ما اوتيت من قوة إطالة آمادها عبر مدها بكل عناصر الاستمرار، فهذه الازمات تصب بمجملها في مصلحتها ومصلحة “اسرائيل”، فبها تبتز بلدان المنطقة، وبها تستنزف ثرواتها، وبها تقسم ما هو مقسم.
ما يجري في منطقتنا من ازمات يستدعي موقفا مسؤولا من قبل حكومات بلدانها لتفويت الفرصة على امريكا للاصطياد في الماء الذي تحاول تعكيره، وذلك من خلال التوصل الى حلول منطقية لخلافاتها والتفكير جديا بمستقبل شعوبها، فالنار التي تحاول امريكا اضرامها في المنطقة لا تحرق سوى بلدانها، اما امريكا فتفصلها عن منطقتنا الاف الكيلومترات، ولن تتضرر بما يجري فيها فحسب، بل ستكون من اكبر الرابحين الى جانب “اسرائيل”.
ماجد حاتمي