خاص شفقنا-مرة اخرى يضرب الارهاب التكفيري “الداعشي” الابرياء والامنين في بغداد مخلفا عشرات الشهداء ومئات الجرحى، بينما مازالت ردود الافعال تتراوح بين تنديد واستنكار قاسمها المشترك هو ان “داعش تنتقم لهزائمها في جبهات القتال عبر استهداف المدنيين العزل”.
المراقب لردود الافعال ازاء التفجير الانتحاري في الكرادة ليل الاثنين وتفجير السيارة الملغومة صباح الثلاثاء بالقرب من جسر الشهداء، واستشهاد العشرات من المواطنين، يرى تكرارا مؤلما لمقولة “الانتقام الداعشي” لهزائمة، ومحاولة “داعش تثبيط عزائم المقاتلين في جبهات القتال ورفع معنويات مسلحيه”، كما لو كان القصد تبرير هذه التفجيرات الارهابية.
ردود الافعال والتصريحات التي ذكرنا بعضها، رغم انها تحمل شيئا من الحقيقة ، الا انها مؤلمة للعراقيين وخاصة عوائل الشهداء والجرحى، فالعراقيون وعوائل الشهداء والجرحى كانوا يتوقعون من حكومتهم والاجهزة الامنية التابعة لها ان تعمل على وأد مثل هذه التفجيرات في مهدها، لا ان تكرر ذات الادانات التي قد يستشف منها البعض امرا في غاية الخطورة وهو ان “داعش” لا تُقدم على هذه التفجيرات الا عندما تُهزم في المعارك، بينما العراقيون عانوا كثيرا من هذه التفجيرات الارهابية في ذروة صعود “داعش” والجماعات التكفيرية والصدامية المنخرطة معها، اكثر بكثير عندما انهزمت هذه الجماعات الارهابية امام الجيش والحشد الشعبي .
على جميع المسؤولين العراقيين ان يأخذوا مشاعر عوائل وذوي الشهداء والجرحى، عندما يصرحون باي تصريح بشان التفجيرات التي تنفذها “داعش” والتي تحصد المئات من ارواح الابرياء، مثل التفجير الارهابي البشع الذي تعرض له حي الكرادة بشاحنة ملغومة في يوليو/تموز عام 2016 حيث استشهد ما لا يقل عن 324 شخصا وكان الأكثر دموية في العراق منذ سقوط صنم بغداد 2003، والتفجيرين الاخرين الذين استهدفا الكرادة وحي الكرخ في بغداد الاثنين والثلاثاء الماضيين.
لا يمكن لاي مراقب منصف ان ينكر الجهود التي تبذلها الحكومة واجهزتها الامنية في مجال مكافحة الارهاب والتصدي لعصابات “داعش” ورفاقهم البعثيين الصداميين، فقد نجحت الحكومة في افشال العديد من مخططات “الدواعش الصداميين” الرامية لاستهداف المدنيين العزل، الا انه لا يمكن في المقابل ان يتقبل هذا المراقب فكرة ان بامكان “داعش” ان تتنقل بسيارة مفخخة بكميات كبيرة من المواد المتفجرة من منطقة الى منطقة حتى تصل بها الى حي الكرادة وتقوم بتفجيرها امام محال تجارية واسواق مكتظة بالناس، بينما شوارع العاصمة ملغومة بالسيطرات ورجال امن وشرطة يصل عددهم الى الالاف، يستخدمون معدات، كما يقال، انها متطورة للكشف عن المتفجرات والاسلحة.
صعوبة تقبل هذه الفكرة هي التي تجعل تنديدات واستنكارات المسؤولين الحكوميين، الامنيين والسياسيين، والبرلمانيين، والفعاليات السياسية، وزعماء الاحزاب والتنظيمات، التي تنطلق بعد كل تفجير ارهابي، مُرّة وغير قابلة للهضم، فالذي يراه المواطن العادي هو ان هناك مندسين في المنظومة الامنية العراقية، وهناك حواضن تحتضن الخلايا النائمة، الامر الذي يجعل المواطنين العراقيين دائما تحت رحمة الارهابيين الذين يزهقون ارواحهم متى شاؤوادون اي اعتناء للاجهزة الامنية الحكومية.
هناك تساؤل تفرضه الحقائق الدامية في العراق على كل من يهمه امن العراقيين، وهو: اذا كانت الحكومة العراقية تجد صعوبة في تحديد الحواضن وكشف الخلايا النائمة والاماكن التي يتم فيها تفخيخ السيارات ومراكز الارهابيين داخل بغداد رغم مرور 14 عاما على سقوط نظام الطاغية وبعد تفجير الاف السيارات في داخل مدينة بغداد وحدها، وفي مناطق تحمل طابعا مذهبيا محددا، لماذا لا تُشرك الحكومة العراقية المواطنين في مهمة الامن ومطاردة الارهابيين وكشف خلاياهم النائمة وحواضنهم؟
اشراك المواطنين في امر الامن يعتمد على مبدا الامن الذاتي لكل منطقة، اي على المناطق المستهدفة مثل الكرادة وغيرها، ان تعتمد على ابنائها واهلها، فابناء كل منطقة يعرفون اهالي مناطقهم جيدا، وبالامكان ان يقوم اهالي كل منطقة بجرد منازل مناطقهم بهدف التعرف على المنازل والمباني التي يمكن ان يتخذها التكفيريون مصانع لتفخيخ السيارات واوكارا، ويمكن الاستعانة في هذا المجال بعناصر من قوات الحشد الشعبي، وهي في غالبها من ابناء هذه المناطق، تحت اشراف كامل لوزارة الداخلية العراقية، من اجل الحيلولة دون استغلال بعض الاشخاص لمثل هذه التحركات.
ان الامن الذاتي والمناطقي في بغداد، هو فعالية ناجعة ، جربتها العديد من الشعوب في اوقات الازمات، ويمكن من خلالها وأد مخططات الارهابيين في مهدها، فمهما كانت هذه الفعالية مكلفة وصعبة الا انها لن تكون بكلفة ازهاق ارواح المئات من الابرياء الذين يتركون وراءهم المئات من الارامل والالاف من الايتام، وذلك بسبب كبسة على زر لا تستغرق ثوان قليلة يقوم بها معتوه اخرق حاقد مريض، ليرسم من خلالها الابتسامة الصفراء المسمومة على وجوه التكفيريين وحماتهم وحواضنهم، في المقابل تتفجر عيون العراقيين دما على فقدهم فلذات اكبادهم واحبائهم.
النهایة