خاص شفقنا- بيروت-سعى الشيخ الدكتور محمد شقير في كتاباته ومؤلفاته الى محاولة تقديم اضافات جديدة والأهم من ذلك تقديم ما يندرج ضمن الهواجس والتحديات التي تنتجها الساحات الثقافية بمختلف توجهاتها ضمن المنظومة الفكرية والثقافية الاسلامية، وباتت الثقافة الفكرية بكل مندرجاتها الاسلامية تشهد حملات من اعادة التقييم تارة او الهجوم المباشر، وقد ندرك ابعاد الجهد المضاعف في الآونة الاخيرة من محاولة النيل من صورة نظرية الفكرية الإمامية ومحاولة تشويهها، من هنا تأتي اهمية كتابه “فلسفة الإمامة في الفكر الشيعي الإثني عشري”، الذي ناقشه ووقعه الشيخ شقير في مركز المطالعة والتنشيط الثقافي بدعوة من “دار المعارف الحكمية” بالتعاون مع “جامعة المصطفى العالمية” وبلدية حارة حريك، وبحضور حشد من المفكرين وعلماء دين وطلاب حوزويين واعلاميين ومهتمين.
قدم المناقشة الاعلامي عدي الموسوي الذي لفت الى ان الكاتب سعى لاعتماد ادوات خطاب معاصرة وتحديثه بشكل الخطاب الذي صيغت فيه فصول الكتاب وابحاثه المتنوعة هذا فضلا عن لغته العصرية التي لم تغادر موروثها التراثي والحوزوي، وجاء الكتاب انطلاقا من منطق الاجتماع الديني والمعرفي اضافة الى منطق الاجتماع السياسي واشكالياته.
الشيخ شقير: هناك محاولات ممنهجة تستهدف الفكر الاسلامي الشيعي
بداية قدم الشيخ شقير كتابه قائلا “منذ فترة من الزمن ونحن نشعر العديد من المحاولات الممنهجة التي تستهدف الفكر الاسلامي الشيعي وهذا الامر ليس جديدا وتحديدا في موضوعي الامامة والمهدوية وهذا ليس عزيزا في تاريخ هذا الفكر لكن هذه المحاولات تتسم بشيء من الجدة في اللغة والاسلوب وبعض الموضوعات واحيانا على مستوى توظيف بعض المناهج الحديثة التي تتناول ابعادا مختلفة في موضوع الامامة وسواها”.
وأضاف هذا خلق لدي حافزا اولا على المستوى الشخصي من اجل المزيد من التأمل والتعمق في فلسفة الامامة، وخلق لدي حافزا من اجل القيام بمحاولة للاجابة على تلك الاشكاليات والاسئلة التي طرحت من خلال تسطير جملة او العديد من البحوث التي تتسم بالتجديد او الجدة في اللغة والاسلوب وكيفية بناء الموضوع، لكن ما هو ابعد من ذلك ان اقوم بحاولة من اجل تلميع المناهج التي يمكن ان توظف في معالجة موضوع الامامة، فلسفة الامامة وسوى ذلك من موضوعات ذات صلة.
وقال: لم يكن هدفي من هذه البحوث ان اتناول موضوع الامامة كمعطى تجريدي وانما حاولت ان انزل موضوع الامامة من اجل ان انظر اليه متموضعا في اطار الاجتماع المعرفي الديني وفي اطار الاجتماع السياسي الديني وفي اطار حركة التاريخ بحيث عندما اريد ان انظر الى هذه الامامة انظر الى موضوع الامامة مع الاخذ بعين الاعتبار كافة هذه الملابسات التاريخية والاجتماعية والسياسة.
واضاف “كان الانتقال من بحث موضوع الامامة ان يتم تناولها في اطار استمولوجيا الامامة الى اطار سسيولوجيا الامامة، اي عصرنة هذا الطرح بالشكل وبالمضمون واللغة، وهذا هدفي اي ان لا نقتصر في معالجة موضوع الامامة على منهج العقل والنقل المستخدمين عادة في معالجة هكذا موضوعات”.
وتابع “يقع الكتاب تحت عناوين عدة وهي “في فلسفة الامامة والاختيار الديني”، نص الغدير: بحث في دلالته على ضوء الاجتماع الديني والسياسي والامامة في التراث الحجاجي الاسلامي.
ويتطلع الدكتور شقير الى ترجمة هذا الكتاب الى مختلف اللغات بما فيها الانكليزية.
الشيخ بركات: تراثنا عامر بالمؤلفات الكثيرة حول دلائل الامامة
بدوره تحدث استاذ الدراسات العليا في الحوزة العلمية فضيلة الشيخ أكرم بركات عن جديد هذا الكتاب، قائلا ان تراثنا عامر بالمؤلفات الكثيرة حول دلائل الامامة وفلسفتها والاحتجاج لها في أصلها وتطبيقها ولنا نموذج بارز هو كتاب العلامة الحلي من أعلام القرنين السابع والثامن هجري الذي اسماه “الألفين” تعبيرا عن وجود الفي دليل على الإمامة اضافة الى غيره من المؤلفات، ولذا قد يجد الكاتب في فلسفة الإمامة صعوبة في تقديم الجديد، إلا اني وجدت ان الدكتور شقير قد تخطى صعوبة تقديم الجديد في كتابه فهو استفاد من ذلك التراث ليأتي بجديد، فهو اولا استطاع ان يعبر حاجز اللغة بين التحرير القديم والانشاء الجديد ليقدم من ذلك التراث المضمون المتعلق بالبحث في ثوب لغوي اكاديمي معاصر، الثاني استثمر حسن فهمه للمخاطب المعاصر في تشكلاته الذهنية الناتجة من التراكم والتنوع والاشكاليات المعرفية ليخاطبه بما ينسجم مع تلك التشكلات.
اما الثالث فيضيف سماحته، ان الدكتور شقير استفاد من خبرته الأكاديمية في مناهجها المعهودة المضافة الى اصالته الفكرية ليدخل بحثه في المضمون التراثي ليقدم الإمامة في بعدها الفلسفي مما اضفى على البحث المسار العلمي السلس المنطلق من وضوح الاشكالية العارض لفرضياتها المتعددة المتباينة المنتهي بموضوعية الى الخاتمة المشبعة فيما تقدم الفاتحة لمسارات جديدة امام الباحثين عن الحقيقة.
ثم تابع متحدثا عن مميزات الكتاب، أولها جدة استفادته من نصوص القرآن الكريم المباشرة وغير المباشرة في قضية الامامة، ثانيها اثارته للاسئلة الموضوعية الكثيرة محركة لمكبوت ثقافي او مولدة لتساؤل تمردي يحفز القارئ بل قد يأسره في مسار البحث الى نهايته، وثالثا اعتدال الطرح وبعده عن الاستفزاز من خلال موضوعية تمثل نموذجا في احترام الآخر وخطوة علمية في موضوع حساس في ثقافة الاختلاف القائمة على التكامل لا على تسجيل النقاط.
اما التكملة، فيضيف الشيخ بركات، عالج الكتاب الامامة من منظار فلسفي في اصلها التاريخي وفي محققاتها الخارجية مركزا على حلقتها الاولى المتمثلة بالإمام الاول الإمام علي “ع” مضيئا بالاشارة الى حلقتها الاخيرة الغائبة، ولفت الى ان البحث لم يتناول باعتبار هدفه المبرر البدائل القيادية المنسجمة مع هدفية الامامة في عصر غيبة الامام الاخير المنتظر.
حيدر: لابد من انهاء الفجوة بين المنظومة العقائدية والممارسة السياسية
وكانت كلمة الختام للباحث والمفكر في الفلسفة السياسية الاستاذ محمود حيدر، الذي قال ان جديد هذا الكتاب انه فتح الباب على تنظير داخل شيعي على نقل الكلام حول الامامة من طور الجدل الكلامي التاريخي الى طور التعريف اي تظهير الفلسفة الايمانية او فلسفة الوحي في التاريخ من دون الركون الى مضارع او مضاد او نظير يسعى الى نقد اطروحة الامامة.
وقال “آن الأوان للعقل الشيعي الاستراتيجي بجناحيه العقائدي والفقهي السياسي ان ينتقل الى هذا الطور لعقيدة الامامية بسبب من حاضرية الشيعة اليوم في العالم”.
وتابع “الشيخ شقير عرف بوجه اجمالي مضمون هذا الكتاب لكن وجدت ان اقترب من النص من وجهين، من الوجه الذي اتفق معه من مخرجاته التنظيرية ووجه آخر يتصل بمسائلة العقل الشيعي اليوم بأنه لابد من الربط وانهاء هذه الفجوة الموجودة بين المنظومة العقائدية والممارسة السياسية”.
واضاف حيدر، في خاتمة الكتاب بيان لقاعدة كبرى تأسس عليها اطروحة المؤلف بمجملها، هذه القاعدة تقول لابد من وجود حجة في كل زمن وعلى هذه القاعدة تتراءى فلسفة الامامة ضمن ركنين، ركن الحضور في الغيب وركن الحضور في التاريخ ، مشيرا الى ان هذان الركان يتكاملان ولا ينفصلان وان كان لكل منهما سبيل في الاستظهار والتبيين وان الشاهد على تكاملهما فهو امتداد الوحي في التاريخ وديمومته في سيريّة جوهرية مبدؤها واحد وختامها واحد وهذا مرده الى الاعتناء الالهي بدنيا الانسان الذي لا يدع مجالا للفراغ والمصادفة”.
وختم بالقول من الموضوعات المهمة التي عني بها الكتاب ان الامام هو القطب الروحي الباطني الذي لولاه لساخت الارض بأهلها.
ملاك المغربي