خاص شفقنا-بيروت- يعدّ حجّة الإسلام مظاهري من أبرز الأساتذة والباحثين في حقل الأخلاق والأسرة، وله عدّة مؤلّفات باللّغة الفارسيّة في هذا المجال، منها: ثقافة الأسرة، والمعركة الصامتة ولفتيات واختيار الزوج.
وقد حدّد مجموعةً من المستلزمات الضروريّة لتشكيل الأسرة، منها: الالتزام الدينيّ، الفهم التربويّ، الإدراك العاطفيّ، الاستيعاب الأسريّ والتدبير الاقتصاديّ، مصرّحاً: تلعب عدّة عوامل دوراً هامّاً في دفع الشباب للزواج، منها: إصلاح الأسس وتقديم التسهيلات غير المتكلّفة كالمساعدات الماليّة الحكوميّة (هبة بلا عوض) وتشجيع من يُقدِم على الزواج في أوانه وإبعاد الخوف من قلوب الشباب والتثقيف وتوفير استشارات الزواج والإرادةالجدّيّة الجمعيّة في تحقيق تلك الغاية. إليكم فيما يلي نصّ الحوار الذي أجرته “شفقنا” مع حجّة الإسلام مظاهري:
*بما أنّ إحدى أهمّ السياسات التي يتبعها النظام تتمحور حول خلق مجتمع يقوم على بنية الأسرة؛ فكيف يمكن تحقيق ذلك الهدف في مجتمعنا اليوم؟ وما مستلزمات تطبيق تلك السياسة؟
خلافاً للفكرة السائدة التي تعتبر الأسرة قائمةً على ثلاثة أركان؛ الزوج والزوجة والأبناء، فإنّي أراها مبنيّةً على خمسة أركانٍ هي: الزوج والزوجة والأبناء والجدّ والجدّة، ويؤدّي خلق علاقة سليمة بين تلك الأركان إلى صون كيان الأسرة، والعكس صحيح؛ ففقدان الترابط بينها أو سوء إدارتها يودي بكيان الأسرة للتفكّك والانهيار.
أمّا فيما يخصّ المستلزمات الضروريّة لتشكيل الأسرة، فهي:
أوّلاً. الالتزام الدينيّ، الذي يوطّد صرح الأسرة ويحافظ على حيويّتها ويضبط العلاقة بين أركانها ويرسّخ تواصلها. وأعني به الإيمان بالله ورسوله والمعصومين ومراقبة الباري في كافّة أعمالنا التي تُسَجَّل عنده جميعاً، والاعتقاد بمسؤوليّة كلّ من الزوجين تجاهَ الآخر من قبل الله تعالى الذي حمّلهما إيّاها، والثواب العظيم الذي جعله تعالى لخدمة أحدهما للآخر وخدمة كلَيهما لوالديهم وتربية الأبناء. فعلينا أن نستحضر الله في تصرّفاتنا ونجعله الرقيب عليها ونطلب المثوبة منه وحده؛ ما يجعل ذلك العامل من أهمّ مستلزمات ترسيخ كيان الأسرة.
ثانياً. الاستيعاب التربويّ؛ فعلى الأزواج والآباء والأمّهات تعلّم المسائل التربويّة ومطالعتها، بل حتى حضور الصفوف والدورات الخاصّة بذلك عند اللّزوم وقراءة أفضل الكتب التربويّة.
ثالثاً. الفهم العاطفيّ؛ فالعاطفة من حاجات الأسرة الأساسيّة، وعلى الزوجَين بذل العواطف لبعضهما، كما ينطبق الأمر نفسه على الوالدَين والجدَّين تجاهَ الأبناء؛ ما يساهم في تقوية نسيج الأسرة وإلا تخلخل بنيانها.
رابعاً. الإحاطة بمبادئ إدارة أركان الأسرة ولاسيّما من قبل الزوجَين؛ فإدارة الأسرة مسألة دقيقة وحسّاسة وعلميّة وإستراتيجيّة، فكما نحتاج للمعرفة في سبيل الإدارة السليمة في الأمور الاجتماعيّة، فإنّنا أحوج إلى المعرفة الإداريّة في شؤون الأسرة والإشراف عليها. خامساً. التدبير الاقتصاديّ؛ فعلى الزوجَين التمكّن من تدبير معيشة الأسرة من خلال اتّباع سلوكيّاتٍ تضمن استمراريّة الحياة الأسريّة والادّخار للمستقبل عبرَ التمسّك بالقناعة والاستهلاك الرشيد للمداخيل.
* في مجتمعٍ ينزع شبابه نحو تفضيل العزوبيّة وتتزايد فيه أعداد من هم في سنّ الزواج، كيف يمكن إقناع الشباب بالزواج؟
يمكن النظر للزواج في ثلاثة أشكال؛ مبكّر، متأخّر وفي أوانه، وأفضلها الأخير الذي لا يمكن تحقيقه طالما كانت تكاليف الزواج المشروع والمعقول أكبر من إقامة علاقة غير مشروعة وغير مقبولة. وللأسف الشديد، نحن نعاني في مجتمعنا من تلك الظاهرة؛ فقد أصبحت تكاليف الزواج المشروع والمقبول وفي أوانه باهظاً وشديد الوطأة بالمقارنة مع إقامة علاقة غير مشروعة وغير مقبولة وفي غير أوانها، الأمر الذي يفرض توفير إرادةٍ جادّة وعزيمة راسخة لتوفير فرص زواج الشباب بأفضل الطرق وفي أوانه وذلك من قبل كافّة أفراد المجتمع من مسؤولين ومفكّرين وكتّاب ومهتمّين وأُسَرٍ؛ إذ لا يمكن أن تتصدّى جهةٌ معيّنةٌ أو شريحةٌ خاصّةٌ وحدَها لتحمّل أعباء تلك المهمّة، بل يجب تكافل الجميع وخلق إرادة جمعيّة عامّة لذلك. على سبيل المثال، نشهد في بلادنا في الوقت الحاضر نهضة في بناء المدارس وهي حركة مباركة وطيّبة خفّفت من وطأة نقص الأبنية المدرسيّة التي بتنا لا نشعر بها كثيراً، كما أنّنا نرى نهضةً في محو الأمّيّة خلال السنوات الأخيرة، بدأت منذ بدايات انتصار الثورة، ساهمت في بلورة إرادةٍ راسخةٍ عامّةٍ أدّت لتحرّر الكثيرين من أمّيّتهم، وبالرغم من أنّ تلك الحركة لم تنجح في استئصال الأمّيّة من جذورها إلا أنّها كانت مبادرةً طيّبةً.
وكذلك الأمر في مراسم إحياء عاشواء، حيث نشهد سنويّاً إرادةٍ جادّة جمعيّة وعزيمة راسخة شعبيّةً للمبادرة والعمل خلال عشرة محرّم الأولى ويوم عاشوراء بهدف إقامة الشعائر الحسينيّة بأروع صورةٍ؛ فشعبنا يعشق الإمام الحسين (ع) ويجتمعون معاً، بغضّ النظر عن مذاهبهم واتّجاهاتهم وأجنحتهم، لإحياء عاشوراء بأفضل شكلٍ ممكنٍ. وهناك نموذج آخر للإرادة الجماعيّة في مسيرة الأربعين التي أخذت تسطع كثيراً خلال الأعوام الأخيرة من خلال مشاركة الملايين فيها. ولا ننسى ظاهرةً أخرى في هذا السياق، وهي التعبئة الشعبيّة إبّان الحرب المفروضة والتي لم يدركها الجيل الحاليّ؛ حيث كان الجميع يشاركون فيها، من أُسَرٍ وشباب وناشئين ويافعين وطلبة جامعات وحوزويّين وغيرهم، وحتى النساء اللّاتي لم يكنّ قادرات على التوجّه للجبهات اكتفين بالعمل ودعم المجهود الحربيّ خلف الجبهات. نعم لقد لمسنا تأثير وتجلّي الإرادة الجمعيّة والعزم العامّ أثناء الحرب، ولا سيّما في سنواتها الأولى وأيّام تحرير خرّمشهر.
إذن نحن في أمسّ الحاجة، في يومنا هذا، لمثل تلك الإرادة المجتمعيّة والعزم الراسخ العامّ لتيسير أمر تزويج الشباب، من خلال القيام بما يلي:
أوّلاً. تشكيل مؤسّسات خاصّة بالاهتمام بأمر الزواج؛ فقد أطلقنا مع بدايات انتصار الثورة هيئات من قبيل مؤسّسات الإسكان والشهيد والإمداد، دون أن نطلق مؤسّسة للزواج.
ثانياً. إفساح المجال لوسطاء الخير في أمر الزواج حتى يلعبوا دوراً إيجابيّاً، وقد أفردت فصلاً كاملاً لهم في كتابي “دختران و انتخاب همسر [الفتيات واختيار الزوج]” وما يمكن أن يقوموا به في تيسير تزويج الشباب في السنّ المناسب.
ثالثاً. توفير التسهيلات غير المكلّفة؛ كتقديم المساعدات الماليّة هباتٍ بلا عوض من قبل الحكومة للشباب، والأقساط الماليّة الميسّرة بلا أرباح وفوائد لهم، وتقسيط تكاليف الجهاز، وتأجير مساكن صغيرة بشرط التمليك؛ وهي جميعاً عوامل أساسيّة في تيسير الزواج.
رابعاً. تقديم المحفّزات لتشجيع الشباب الراغب بالزواج في أوانه من خلال الإعفاء عن نصف مدّة الخدمة الإلزاميّة وإعطائهم الأولويّة للتوظيف والحصول على المنح الدراسيّة؛ شأنهم في ذلك شأن أبناء الشهداء وعوائل الجرحى. بشكلٍ عامٍّ، علينا خلق بيئة تدفع الشباب للزواج في أوانه.
خامساً. طرد الخوف من قلوب الشباب حيالَ الزواج؛ فشبابنا تنتابهم الخشية من الإقدام على الزواج والحقّ معهم بشكلٍ ما، لما يرون من الحالة التي آلَ إليها المجتمع والعقبات التي توضع أمام الشباب وتكاليف المعيشة الباهظة، ما يتملّكهم الخوف من خوض تجربة الزواج. طبعاً لجزءٍ من حالات الخشية تلك علاقة بالواقع، إلا أنّ كثيراً منها لا تمتّ للحقيقة بصلةٍ، بل هي أوهام تعكس تصوّراً متضخّماً مشوباً بالرعب لديهم عن المشاكل التي يشهدونها في الواقع، ما يدعونا لإخراج تلك الأوهام من نفوس الشباب.
سادساً. التثقيف؛ فقد تعرّضت ثقافة الأسرة والشباب حول الزواج الميسّر، في عصرنا الحاضر، لهزّات خطيرةٍ، ساهمت في تفاقمها آفاتٌ كالتكلّف المبالَغ فيه والتكاليف الباهظة والشروط التعجيزيّة غير اللّائقة في اختيار الزوج ومراسيم الزواج. طبعاً، لا أريد اجترار الكلمات المقولبة حول التثقيف في هذا الخصوص، لأنّ الواقع يفرض علينا المبادرة والعمل بعيداً عن الشعارات التي لا تسمن ولا تغني من جوع، من خلال التركيز على الحلول العمليّة والتثقيف الواقعيّ وإصلاح أفكار الأسر والشباب وعقليّاتهم حتى يتخلّصوا من هاجس الخوف حيالَ الزواج. أمّا فيما يخصّ التكلّف في الزواج فقد سال حبر كثير حوله وجرى حديث طويل عنه، إلا أنّ الأمر يحتاج للعمل الجدّيّ فيه في ظلّ ما نشهد من ازديادٍ مطّردٍ له ما ينعكس انحداراً في معدّلات الزواج وتفاقماً للمشاكل الناتجة عنها.
سابعاً. تقديم الاستشارات في الزواج؛ وهو ما إذا تمّ بالشكل الصحيح، يمكن له أن يشكّل أفضل مساهمةٍ في الاختيار الصحيح لشريك الحياة وتحقيق الزواج الميمون. نحن نرى الاستشارة في هذا الشأن من الواجبات الشرعيّة؛ فاستشارة الخبير العالم من عوامل تيسير الزواج وترتيبه. ويلقى هذا الأمر ترحيباً في مجتمعنا وهو آخذ بالتوسّع، مع أنّنا بعيدون عن تحقيق الغاية فيع حتى الآن.
النهایة