خاص شفقنا-منذ العدوان الامريكي على سوريا قام المحللون السياسيون والخبراء العسكريون والاعلاميون العرب، بتناول ادق تفاصيل هذا العدوان، وسلطوا الاضواء على جميع زواياه، حتى انهم كتبوا عشرات المقالات تناولت مصير صواريخ التوماهوك ال36 التي اختفت بين السماء والارض، ومنهم من طبل لهذا العدوان ومنهم من ندد.
المشهد المهم الذي تجاهله معظم هؤلاء المحللين والخبراء العسكريين والاعلاميين، في تغطيتهم للقصف الامريكي لمطار العشيرات في سوريا، هو مشهد الشارع العربي الذي غاب او غُيب كليا عن التقارير والتحليلات والتغطية الاعلامية، فلا اثر ولا تاثير لهذا الشارع الذي تبخر ولم يعد له وجود.
قيل عقد او عقدين من الزمن كان الشارع العربي حاضرا وبفعاليه ازاء كل حادث يحدث في اي بلد من البلدان العربية وخاصة في فلسطين او البلدان المحيطة بفلسطين والمندكة بالقضية الفلسطينية، فكان هذا الشارع يموج بملايين العرب وهم يرفعون الشعارات المؤيدة للقضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والمنددة بالعدوان والتدخل الاجنبي وخاصة “الاسرائيلي” والامريكي.
اخرالنكسات التي تعرض لها الشارع العربي، كان العدوان الامريكي على سوريا، فبدلا من ان نرى رأي هذا الشارع العربي بهذا العدوان وخاصة انه استهدف بلدا كان ومازال يرفض التطبيع مع “اسرائيل” ويساعد فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين، وهو سوريا، الا اننا رأينا احتجاجا صاخبا في شارع ما كنا نتصور ان نسمع منه صوت احتجاج على هذا العدوان، لانه شارع يعود الى البلد الذي شن هذا العدوان، وهو امريكا.
شوارع امريكا كانت ملتهبة منذ انتشار خبر العدوان الامريكي على سوريا، فقد نزل الامريكيون في 35 مدينة امريكية منددين بالقصف الصاروخي الأمريكي الذي تعرضت له الأراضي السورية، واقاموا تجمعا إحتجاجيا أمام البيت الأبيض بواشنطن في نفس اليوم الذي تعرضت فيه سوريا للعدوان، دعما للشعب السوري، وتعبيراً عن الإنزعاج الشديد إزاء قرار ترامب بتوجيه ضربة صاروخية غير قانونية ضد سوريا.
شارك في التجمعات الإحتجاجية التي شهدتها مدن وشوارع امريكا العشرات من أعضاء المنظمات الناشطة في مجال حقوق الإنسان ومنظمات المجتمع المدني، ورفع المشاركون في الإحتجاجات لافتات كتب عليها “لا للحرب على سوريا”، و”هؤلاء يدعون لمزيد من الحرب أما نحن فنقول لا للحرب”، وذلك تعبيراً عن رفضهم للأجراء الأحادي الذي إتخذه دونالد ترامب ضد سوريا.
الملفت انه حتى المواطن الامريكي لم يقتنع بمسرحية ترامب عن استخدام الحكومة السورية للسلاح الكيمياوي، فقد أجمع المتظاهرون الأمريكيون على أنه لا توجد أدلة كافية تؤكد بأن الحكومة السورية هي من قامت بإستعمال السلاح الكيماوي ضد سكان بلدة خان شيخون في إدلب السورية، معبرين عن إدانتهم لتدخل الإدارة الأمريكية في حرب خارجية.
الاحتجاج الامريكي لم يقتصر على المواطن العادي بل شمل العديد من النواب في الكونغرس الامريكي والسياسيين والمفكرين والاعلاميين والنشطاء، بل وحتى وصلت الاحتجاجات الى اليمن المتطرف الامريكي، الذين وصفوا قرار ترامب بالطائش والمتهور، واعتبروه تراجعا عما تعهد به ترامب لناخبيه بعدم توريط امريكا في حروب خارجية.
الملفت ان هذا الرفض الامريكي على صعيدي الشارع والنخب السياسية والاعلامية والفكرية، يقابله ترحيب وتهليل وابتهاج عربي لافت، فقد اعربت دول مجلس التعاون في الخليج الفارسي، عن ترحيبها بالعدوان الامريكي ضد سوريا، بل ان الملك السعودي سلمان بن عبدالعزيز هنأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالضربة، وقالت وزارة الخارجية السعودية ان سلمان هنأ ترامب على القرار الشجاع الذي يصب في مصلحة المنطقة والعالم، واما الاردن فقط اعتبرت العدوان الامريكي على سوريا مناسبا وضروريا!
هذه الحالة المزرية والبائسة التي وصل اليها المشهد العربي، تجلت باكثر صورها تعاسة وخنوعا وتشظيا، على وقع تساقط صواريخ توماهوك على سوريا، وعلى وقع تهليل وترحيب بعض العرب بالعدوان، فهذا الصواريخ استهدفت ما تبقى من الكرامة العربية قبل ان تستهدف مدارج مطار الشعيرات، فاذا كانت سوريا قد نجحت في ترميم هذه المدارج بعد ساعات من قصفها ،ترى كم يستغرق من الوقت لترميم الكرامة العربية، التي تتعرض لقصف متواصل منذ عقود؟
النهایة