خاص شفقنا-مرة اخرى تجلى الاستهتار الامريكي بالقانون الدولي وبحقوق الانسان وبالامم المتحدة، بأبشع صوره عندما ضغطت امريكا قبل ايام على الامم المتحدة وشخص امينها العام أنطونيو جوتيريش، ليس فقط لسحب تقرير يدين عنصرية “اسرائيل”، بل لدفع مسؤولة اممية رفيعة للاستقالة من منصبها على خلفية التقرير.
لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “إسكوا”، وتضم 18 دولة عربية وتهدف إلى دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، اصدرت تقريرا تم اعداده على أساس تحقيق علمي وأدلة لا ترقى إليها الشك، اتهمت فيه “إسرائيل” بفرض نظام أبارتيد للتمييز العرقي على الشعب الفلسطيني.
التقرير أشار إلى أن “إستراتيجية تفتيت الشعب الفلسطيني هي الأسلوب الرئيسي الذي تفرض به “إسرائيل” الأبارتيد ” بتقسيم الفلسطينيين إلى أربع مجموعات تتعرض للقمع من خلال “قوانين وسياسات وممارسات تتسم بالتمييز“.
وحدد التقرير المجموعات الأربع بأنها: الفلسطينيون الذين يحملون الجنسية “الإسرائيلية”، والفلسطينيون في القدس الشرقية، والفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة، والفلسطينيون الذين يعيشون في الخارج إما كلاجئين أو منفيين.
التقرير وضعه ريتشارد فولك، وهو محقق سابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، وفرجينيا تيلي، وهي أستاذة في العلوم السياسية بجامعة ساذرن إيلينوي.
فولك هذه وقبل أن يغادر منصبه مقررا خاصا للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية في 2014، كان قد اعلن إن السياسات “الإسرائيلية” تنطوي على سمات غير مقبولة من الاستعمار والفصل العنصري والتطهير العرقي.
التقرير الموضوعي والمهني الذي اعده فولك لم يرق لامريكا و“اسرائيل” فشنتا هجوما على التقرير ومسؤولة لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا “إسكوا”، ومارستا مختلف الضغوط على الامين العام للامم المتحدة لسحب التقرير ومعاقبة الجهات التي اصدرته.
المتحدث باسم الخارجية “الإسرائيلية”، إيمانويل نحشون، قال ان الأمين العام للأمم المتحدة لا يؤيد التقرير، كما سارعت الولايات المتحدة إلى انتقاد التقرير، وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، ان على الأمم المتحدة لا يجب ان تنأى عن نفسها عن هذا التقرير فحسب بل يجب عليها ايضا أن تذهب إلى مدى أبعد من ذلك وتسحب التقرير برمته.
المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك قال إن الأمين العام للامم المتحدة أنطونيو جوتيريش طلب من ريما خلف الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (الاسكوا) حذف التقرير على الانترنت، وقال لا يمكن أن يقبل جوتيريش أن يقوم مساعد للأمين العام أو أي مسؤول كبير آخر في الأمم المتحدة تحت سلطته أن يجيز نشر شيء تحت اسم الأمم المتحدة، تحت شعار الأمم المتحدة، دون التشاور مع الإدارات المختصة.
وحاول دوجاريك “تبرئة” ساحة الامين العام للامم المتحدة أنطونيو جوتيريش امام امريكا و“اسرائيل”، بقوله ان التقرير بشكله الحالي لا يعكس وجهات نظر الأمين العام وأنه يعكس وجهات نظر مؤلفيه.
لما كان التقرير قد أعد استنادا الى الوثائق والادلة الدامغة وبموضوعية علمية، لم تجد الأمين التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (إسكوا) ريما خلف من خيار امامها الا تقديم الاستقالة في مؤتمر صحفي عقدته في بيروت، وكشفت عن ان الامين العام للامم المتحدة مارس عليها ضغوطا من اجل سحب التقرير، وشددت على ان التقرير هو الأول من نوعه الذي يصدر عن إحدى هيئات الأمم المتحدة ويخلص بوضوح وصراحة إلى أن “اسرائيل” دولة عنصرية انشأت “ابارتايد” يضطهد الشعب الفلسطيني.
رغم ان استهزاء امريكا بالمنظمة الدولية، التي تعتبر المرجع الدولي الذي تم تاسيسه من قبل الاسرة الدولية لرفع الخلافات بين الدول والحيلولة دون وقوع الازمات وحل الصراعات والوقوف في وجه الظلم والتمييز، في قضية تقرير عنصرية “اسرائيل” ودفع المسؤولين على التقرير للاستقاله لانهم تجرأوا على الاقتراب من “اسرائيل” التي تضعها امريكا فوق القانون، لن يكون الاخير، الا انه يكشف وامام العالم اجمع ان الامم المتحدة ليست سوى شعبة تاربعة للخارجية الامريكية.
هذه الحقيقة المرة هي التي جعلت شعوب العالم وخاصة الشعوب المظلومة والمضطهدة من قبل الاستعمار والاحتلال والانظمة المستبدة، تفقد ثقتها بالمنظمة الدولية وبكل قرارتها، فهذه الشعوب تنظر الى الامين العام للامم المتحدة وكبير الموظفين فيها على انهم موظفين لدى امريكا ولا يمكنهم ان يتخذوا اي قرار يمكن ان يتعارض مع مصلحة امريكا، حتى لو كانت هذه المصلحة غير مشروعة، فعدم الثقة تلك وان كانت موجودة من قبل الا انها تكثفت اكثر بعد قضية سحب التقرير الاممي الخاص بعنصرية “اسرائيل“.
النهاية