خاص شفقنا-الظلم منتتشر على صعيد العالم وتعرُض فاطمة الزهراء سلام الله عليها للظلم في عصر الجاهلية هو امر طبيعي لكن ان تتعرض السيدة الاولى لدى المسلمين للظلم والاضطهاد في عهد الاسلام فهذا الامر يصعب تصديقه، ولذا كانت هناك مقاومة شديدة لفكرة تعرض السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام للظلم في الفترة الاسلامية الاولى، وكان هناك نفي مستمر للاحداث والوقائع التي حصلت للسيدة فاطمة في تلك الفترة السوداء من تاريخ الامة الاسلامية.
فالكل يتوقع انه وبعد فترة العناء والمشاق التي لاقتها السيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها في عهد الجاهلية وخاصة في مكة المكرمة على يد اوباش قريش كان المفروض ان يتم تعويضها بمعاملتها بعد تشكيل الدولة الاسلامية كأميرة!
وهذا هو ما حصل بالفعل في المدينة المنورة في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث كانت السيدة فاطمة تحظى بمكانة مرموقة في المجتمع المديني وتقدم لخطبتها كبار الشخصيات السياسية والاجتماعية في البلد، لكنه صلى الله عليه وآله وسلم جعل تزويجها بامر من الله ممازاد من قيمتها وتألقها في المجتمع حيث ان السيدة الاولى في المجتمع المسلم ستحظى بزواج مؤيد من السماء وهو شيئ لم يحصل لامراة على الاطلاق.
ونزلت في فاطمة عشرات الآيات ومئات الاحاديث والروايات التي تذكر فضلها وكرامتها وعزتها وشرفها ولم يكن ذلك لانها ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل لانها استحقت تلك المكانة بجهدها وشقائها في سبيل الرسالة السماوية، وقصة تصدقها بطعامها وطعام اطفالها لليتيم والمسكين والاسير لثلاث ليالي هي قصة مافوق الواقع ولقد جسدها القرآن الكريم بمايشبه الاسطورة {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلا شُكُورًا إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا}.
هنا اراد الله سبحانه وتعالى ان يخلد فعل فاطمة الزهراء الى يوم القيامة لان عطاءها فاق كل تصورات البشر، هؤلاء الذين يفاخرون بالعطاء لانهم اكرموا اهل ملتهم وقوميتهم وعشيرتهم بينما كان عطاء فاطمة ربانيا ولاحدود له في الاطر البشرية الضيقة، فهي التي قدمت في العطاء الاسير المسيحي على ابنائها.
نحن هنا لم نتحدث سوى عن موقف واحد من من مواقف فاطمة واذا اردنا الحديث عن جميع مواقفها سنكون عاجزين عن ذلك ويكفي في ذكرها ان نشير الى تشبيه الامام الباقر عليه السلام في خفاء موضعها وقبرها ومكانتها ومنزلتها بليلة القدر.
مع ان النبي الاكرم لم يقصر جهدا في الكشف عن مكانة فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وذكر فضائلها باسهاب بحضور الصحابة والمسلمين كافة وهنا نأتي بابرز تلك الاحاديث من كتب اهل السنة:
1 – قال رسول اللّه {صلى الله عليه وآله}: {يا عَلِي هذا جبريلُ يُخْبِرنِي أَنَّ اللّهَ زَوَّجَك فاطِمَة} {1}.
2 – قال رسول اللّه {صلى الله عليه وآله}: {ما رَضِيْتُ حَتّى رَضِيَتْ فاطِمَة} {2}.
3 – قال رسول اللّه {صلى الله عليه وآله}: {خَيْرُ نِساءِ العالَمين أَرْبَع: مَرْيَم وَآسية وَخَدِيجَة وَفاطِمَة} {3}.
4 – قال رسول اللّه {صلى الله عليه وآله}: {سيّدَةُ نِساءِ أَهْلِ الجَنَّةِ فاطِمَة} {4}. –
5 – قال رسول اللّه {صلى الله عليه وآله}: {أُنْزِلَتْ آيَةُ التطْهِيرِ فِيْ خَمْسَةٍ فِيَّ، وَفِيْ عَليٍّ وَحَسَنٍ وَحُسَيْنٍ وَفاطِمَة} {5}.
6 – قال رســـول اللّه {صلى الله عليه وآله}: {إنّ اللّهَ عَزَّوَجَلَّ فَطـــَمَ ابْنَتِي فاطِمَـــة وَوُلدَهـــا وَمَنْ أَحَبًّهُمْ مِنَ النّارِ فَلِذلِكَ سُمّيَتْ فاطِمَة) {6}.
7 – قال رسول اللّه {صلى الله عليه وآله}: {فاطِمَة بَضْعَةُ مِنّي فَمَنْ أَغْضَبَها أَغْضَبَنِي} {7}. –
8 – قال رسول اللّه {صلى الله عليه وآله}: {فاطِمَة إنّ اللّه يغضب لغضبك ويرضى لرضاك } {8}.
اقتبسنا هذه الاحاديث وهي جزء صغير من حجم هائل من احاديث النبي الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم وهي تتحدث عن فضل فاطمة الزهراء سلام الله عليها ولو اخذنا حديثا واحدا من تلك الاحاديث وتعمقنا في محتواه لكفينا في مجال معرفة عظمة فاطمة الزهراء بالطبع نحن لن ندرك تلك العظمة لكننا سنفهم ان فاطمة لم تكن امرأة عادية ومنها حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” إن الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك” ولو فكر البشر الى يوم القيامة لم يدركوا معنى هذا الحديث واقل ما في مضمون هذا الحديث هو انه لن يدخل الله سبحانه وتعالى الى جنته بشرا الابعد رضا فاطمة عنه (يعني كل من يملك صكا من فاطمة الزهراء سيدخل الجنة).
نحن هنا لم نتحدث سوى عن حديث واحد من احاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحق فاطمة الزهراء ولم نستطع ان نحيط بكل ابعاده فمابالك اذا اردنا الاحاطة بمنزلة الزهراء والتي اهلتها لتكون سيدة نساء العالمين؟
المسلمون الاوائل كانوا على علم بالمكانة العالية لفاطمة الزهراء وقد سمعوا بفضائلها عن لسان رسول الله نفسه وقد نقل الكثير منهم تلك الاحاديث ونقلوا تلك الروايات لكن الذي تسبب بعملية التجهيل بحق السيدة فاطمة هي ماتعمله السلطات اليوم وماعملته السلطات في تلك الازمنة من كتم حقائق التاريخ واخفائها ع نمعظم المسلمين وكما تمنع الكتب الشيعية اليوم في الكثير من البلدان العربية والاسلامية لاخفاء الوجه الحقيقي للاسلام جرت العملية نفسها في الفترة الاسلامية الاولى عندما جرى منع تدوين الاحاديث التي تذكر فضائل اهل البيت وعلى رأسهم فاطمة الزهراء سلام الله عليها، وحتى لما رفع المنع عن تدوين السنة فإنه جرى تدوينها من دون الاشارة الى فضائل اهل البيت وفضائل فاطمة، وسنسأل اذا كانت الاحاديث التي تذكر فضائل علي وفاطة ممنوعة من التداول والنسخ والتدوين فهل سيسمحوا بنقل قصة مظلومية واستشهاد فاطمة الزهراء عليها السلام؟
الاجابة عن مثل هذا الاستفهام قد لاتحتاج الى كثير من عناء التفكير لكني لو تساءلت؛ ماذا يعني بالنسبة للحياة ان تكون سيدة نساء العالمين هي المظلومة.. فهل سيكون الجواب ايضا بسيطا؟
طاهر القزويني