شفقنا العراق-تلكّؤ مبادرة مأسسة التحالف الوطني التي أعيد الحديث عنها الآن، وفشل جهود لملمة أطرافه المتصارعة والمتناحرة فيما بينها، وعدم رجوعهم الى السيد السيستاني (حسب توصيات الشيخ جنتي) لحلحلة وحل الخلافات المتأصلة بينهم، كان مدعاة لأن تنبثق مبادرة التسوية الوطنية التي انطلقت مع انطلاق عمليات تحرير الموصل، والتي لم تكن أوفر حظا ًمن سابقتها في لملمة الشتات والتشرذم الذي يغرق فيه التحالف، أو في أن يظهر بمظهر الموحد، سواء في الرؤى أو المنطلقات أو اتخاذ القرار.
وكان مشروعا سياسيا يهدف الى ضمان وجود كياناتهم السياسيّة لمرحلة ما بعد داعـش، وتحسبا لما يمكن أن تتخذه المرجعيّة العليا من خطوات قد تؤثر على مستقبلهم السياسي بعد الانتصار.
واستقراء لهذا المشهد الطوباوي، الغالب عليه طابع المصالح الحزبية، والمحاصصة السياسية وتراكماتها السلبية، يكون قادة وزعماء التحالف الوطني، إمّا قد نسفوا مبادرة الشيخ جنتي وأعلنوا تمردهم على المسؤوليات والمهام الإيرانيّة الموزعة عليهم! أو أن يكونوا قد ذهبوا بالتوافق فيما بينهم لاختيار مرجع آخر (غير السيستاني)، يكون راعيا ومؤيدا للتوجهات الجديدة لقادة التحالف والتي تضمنتها مبادرة التسوية الوطنيّة، وهو ما طفح غبى السطح مؤخرا بعد فشل لقاء وفد رئاسة التحالف الوطني بالمرجع الأعلى حينما زار مراجع النجف الأشرف.
أو أن الأمر برمّته كان موجهاً ومنذ البداية الى ذات المرجع السيستاني، بهدف إقصائه تماما ًعن المشهد العراقي ورعايته للعملية السياسية، ويسدّوا الطريق بالمرّة عليه ويضمنوا عدم تدخله بها نهائيا. وهذا ربما هو مضمون مبادرة الشيخ جنتي الخفيّة، وكان على جميع مَن في التحالف الوطني، تقبلها كما هي شاءوا ذلك أم أبوا!؟
ولو فرضنا جدلا ًجريان الأمر على هذه الشاكلة، فهل سيصبح التحالف الوطني بقواه السياسيّة الشيعيّة المتفقة على طول الخط على ألا تتفق، ومعه مشروع مبادرة التسويّة الغامضة، زائدا مرجع المستقبل، بمثابة غيابة الجًبّ الذي سيُلقى به المرجع السيستاني فضلا عن العراق بشعبه ومقدساته؟
بقدر ما الفكرة خطيرة وصادمة للوهلة الأولى، ألا أنها واهيّة وأوهن مِن بيت العنكبوت. وهل بإمكاننا تصوّر عراق ـمن غير السيستاني كمرجع أعلى؟! فالسيد السيستاني كمرجع أعلى، وبغضّ النظر عن الطبقة السياسيّة وتردّيها المستمر نحو الهاوية، وبغض النظر عن ذلك المرجع المتفق عليه الذي سيقبل بالصفقة، هو الراعي الأول للعراق ومصالحه العليا من منطلق مقام النيابة المقدس عن المعصوم، وهو الفقيه الأعلم والمجتهد الجامع للشرائط، وهو وجه المذهب بإجماع كبار مراجع الدين في النجف وقم المقدستين، وأنّه لا يجوز لأحد نقض حكمه الا إذا تبين خطؤه ومخالفته لما ثبت قطعاً من الكتاب والسنة، كما لا يجوز تضعيف ولايته من مرجع دينيّ آخر!
وإذا ما قرأنا بإمعان ما أورده السيد حامد الخفاف، الممثل والناطق الإعلامي للمرجعية الدينية العليا، ببيانه الأول وما أردفه من توضيح لموقف السيد السيستاني الأخير، تجاه وفد رئاسة التحالف الوطني، الباحث عن المرجع البديل، حين زار النجف، نراه يؤكد ويعالج هذا التوجه المشين، لذي انطوت عليه سرائر قادة وزعماء التحالف الوطني! وبقدورنا أن نلمس ذلك من خلال عدّة حقائق أوردها الخفاف في بيانه منها:
-إن السيستاني ماض وبإصرار، بعدم استقبال أيّ من السياسيين العراقيين، وأنه رفض لقاء رئيس التحالف الوطني والوفد الذي يرافقه!
-أن رئاسة التحالف الوطني ماضية بإصرار، على زج المرجعيّة بمشروع مبادرة التسوية بهدف خلق البديل للمرجع السيستاني، وادّعاء أن زيارة المرجع الأعلى لم تكن ضمن جدول أعمال الزيارة، رغم صدور اعتذار!
-فضح ذلك الإصرار (زج المرجعيّة بموضوع التسوية)، الذي جاء مع سبق الإصرار، ودعوته للكف عن ذلك، لأنّ السيستاني لا يرى مصلحة في ذلك! وقد تمّ تسويق الأمر إعلاميّاً حينها بالتزامن مع الزيارة، وعلى أن “التسوية تحظى بتأييد المرجعيّة، وترجيح ان يلتقي السيستاني برئيس التحالف بعيداً عن الاعلام”!
-تحذير التحالف بتحمله كامل المسؤوليّة والتبعات فيما لو مضى بعناده بزج المرجعيّة بموضوع التسوية، فهو يخالف وجهة نظر المرجع الأعلى في ذلك!
-دعوة التحالف لأن يُعلن صراحة وأمام الملأ، أنه لا يتبع السيد السيستاني! وأن هناك مرجع آخر يتبعه ويستضيئ بعلمه ويستظل بظله، حتى يكون الشعب على بينة ولا يحصل اي لبس لديهم شريطة على أن يتحمل المسؤوليّة كاملة عمّا ينتج عنه!
-التأكيد على أن حركة المرجعيّة العليا المطلبيّة الوطنيّة الأولى والثانيّة، مضتا بفضل السياسيين، دون جدوى وهذا يكشف لا وطنيّة السياسي العراقي، وأن فاقد الشيء لا يعطيه!
وبكلمة أخيرة أن التحالف الوطني ومن قِبلٍه القوى السياسية العراقيّة الأخرى، يكونوا قد تناسوا لقصورهم وجهلهم، أن السيستاني لم ولن ينفد للآن ما بجعبته قط! وهو قادر على أن يتخذ الخطوات الناجعة التي من شأنها تُعيد الأمور الى نصابها رغم أنف الجميع، لما فيه صالح الشعب والوطن والمذهب، وهذا ما لا يفهمه السياسيون العراقيون، ولا يريدون أن يفهموه وإن لبسوا الدين جبّةً وعمامَة! كما تناسوا ولجهلهم ايضا أنهم بذلك إنما يخالفون ويحاربون الإمام صاحب العصر والزمان (عج) لمقام النيابة المقدس عن المعصوم.
وإذا كان مشروعهم يُعد بمثابة الجبّ الذي ألقي به نبيّ الله يوسف، فليس بوسع أحد إلا أن يعيد على مسامعهم، الآية الشريفة من سورة يوسف: (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ).
نجاح بيعي
————————-
المقالات المنشورة بأسماء أصحابها تعبر عن وجهة نظرهم ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–