خاص شفقنا–اخترنا لكم لهذا الأسبوع مقال للمحلل السياسي عباس عبدي والذي نشرته صحيفة اعتماد الإيرانية في عددها رقم ٣٦٩٩ ويتحدث عبدي فيه عن تداعيات اغتيال السفير الروسي في تركيا و الأزمة في سوريا.
عملية اغتيال السفير الروسي في تركيا كشفت مدى هشاشة الوضع الأمني في منطقة الشرق الأوسط وتراجعه بمعدلات فاقت التوقعات، حيث بات من الصعب التكهن بأحداث الغد ناهيك عن المستقبل البعيد للمنطقة.
بدأ الوضع الامني في المنطقة تحديدا منذ الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003، حيث دائما ما ينعكس اسقاط حكومة مستقرة بأيد اجنبية في تنشيط الخلايا ارهابية التي لا ترى الا الطرق العنيفة والسلاح وسيلة للوصول الى غاياتها.
و مع الأسف فان الحكومة التركية لم تتصرف بمسؤولية تجاه الأزمات التي تعصف بالمنطقة وخاصة سوريا، حيث كان يحلم الرئيس أردوغان بالقضاء على حكومة نظيره السوري بشار الأسد في مدة قصيرة وما يمهد للاعلان عن نفسه قائد للمنطقة والعالم السلامي بأسره، لكنه اظهر ضعفه و تخاذله امام موسكو في حادثة اسقاط طائرة روسية والقلق الذي ارتابه بعد ذلك ومن ثم قيامه بالاعتذار لهذا الحادث. وعندما وقعت عدة هجمات ارهابية على الاراضي التركية انقلب السحر على الساحر حيث رأى اردوغان ان أمن بلاده اهتز على أيدي من مولهم ودعمهم لزعزعة امن جيرانه ناهيك عن الاعتقالات الواسعة في البلاد عقب محاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة في يوليو الماضي.
ورغم اهمية كل تلك الأحداث تعتبر عملية اغتيال سفير روسيا في تركيا على يد شرطي محلي، الصفعة الاقوى التي تلقتها انقرة حتى الان حيث كشفت تركيا كبؤرة للإرهاب في جميع مؤسساتها خاصة الأمنية حيث وصل الإرهاب الى ثلب المؤسسة الامنية. كما تبين عملية الاغتيال ان الأحداث الإرهابية التى اجتاحت تركيا كلها كانت بدعم من القوات الأمنية تارة وبصمت مؤيد لها تارة اخرى وتضع كل المؤسسات السياسية والعسكرية تحت علامة الاستفهام.
من جهة أخرى تواجه تركيا حاليا تدهورا في وضعها الاقتصادي أدى إلى سقوط عملتها بنسبة ٢٠٪ وتراجع ملحوظ في ايراداتها من السياحة والتي تعتبر الشريان النابض لاقتصادها، كل ذلك نتيجة سياساتها الخاطئة وزعزعة وضعها الامنى. ومن المتوقع أن يؤدي اغتيال السفير الروسي إلى انخفاض الاقتصاد التركي أكثر فأكثر والتساؤلات حول المسؤول عن الاغتيال وان كان من أنصار غولن ام لا، لا يغير من الامر شيئا.
ان الخطأ القاتل لأوردوغان جاء عندما اتبع نفس سياسات السعودية والقطر تجاه دمشق دون ملاحظة جغرافية بلده، فتركيا ليست كهاتين الدولتين اللتين في مأمن اكثر من التقلبات الامنية فى سوريا ونتائجه السلبية على جيرانها، اضافة لذلك فأن قطر و سعودية من الدول المصدرة للنفط و اقتصادها لا يعول كتركيا على السياحة والتى هي بدورها ترتبط تماماً بالأمن والاستقرار والعقل و السليم لايقبل المجازفة في مثل هذا الامر.
الوضع الخطير في سوريا يفتح الباب امام كل الاحتمالات وفي حال تصعيد الأزمة ستتضرر جميع الأطراف وستشتعل النار في المنطقة كلها. والحل العسكرى ليس الحل النهائي لهذه الأزمة، فالهدف من الحل العسكري هو حذف الطرف الاخر نهائيا، وفي الوقت الراهن لا الحكومة السورية بإمكانها ان تحارب للأبد ولا المعارضين قادرين على إسقاط حكومة بشار الأسد، فالحرب الاستنزافية ستدمر الشعب و البلد ناهيك عن تداعيات هذه الأزمة التي ستجتاح المنطقة بأسرها، فلهذا النجاح الذي اكتسبه الجيش السوري وحلفائه في حلب يشكل فرصة لوضع خارطة السلام على طاولة المفاوضات، يجب الا ننسى ان التدخل الروسي في الأزمة السورية جاء بعد التدخل الامريكي وتسبب في موازنة القوى في المنطقة ونستطيع القول ان الآن طرفا النزاع في سوريا هما الآن عضوين اساسيين في مجلس الأمن وفي حال الوصول الى اتفاق بشأن سوريا من قبل هؤلاء فسوف يرغم جميع الأطراف الذين ليس بمقدرتهم إنهاء النزاع ان يتبعوا الاتفاق لإنهاء الأزمة.
في النهاية يجب القول ان في مثل هذه الحروب ان لم تستطيع تحويل النجاح العسكري الى نجاح سياسي في أسرع وقت فسرعان ما يظهر ملامح الفشل مع مضي الزمن فلذا على بشار الأسد و حلفاءه اعلان وتقديم حل سياسي للازمة بعد النجاح الكبير في الحلب ليخفضوا من الضغوط عليهم وان يرموا الكرة في ساحة المعارضين.
ترجمة علي حاتمي