شفقنا- بيروت – سافر الملايين من الشيعة المسلمين عبر العالم الإسلامي للسير إلى مرقد الإمام الحسين عليه السلام بكربلاء في مسيرةٍ سنويةٍ هي الأكبرُ من نوعِها في العالم. أربعينية الإمام الحسين “ع” تخلد ذكرى مرور أربعين يومًا على استشهاد أبي الأحرار، وهو حدث جلل لدى الشيعة المسلمين. ويبلغ عدد الزوار الذين يصلون إلى مرقد أبي عبد الله الحسين عليه السلام عشرة أضعاف حجاج بيت الله الحرام في مكة، وذلك يعود لامتناع العراق عن وضع حدّ معين لعدد الحجاج كما تفعل السعوديـة. وقد كان العدد محدودًا أيضًا خلال فترة حكم صدام حسين خوفًا من تماسك الطائفة الشيعية ولحمتها أثناء الزيارة.
وفي تشرين الثاني الماضي كانت الأربعينية فرصةً للقيام بدراسة استقصائية وتجريبية عن الشيعة المسلمين في العراق وإيران. اشتملت الدراسة على مواضيع مختلفة، مثل الدين والسياسة وحقوق المرأة والديمقراطية والصراعات المحلية والاتفاق النووي الإيراني، وقد توصلنا إلى نتائج مهمة تتمحور حول سياسة إيران في المنطقة والاتفاق النووي الإيراني مع الغرب.
لم يعتبر القيام بدراسةٍ ميدانيةٍ على الشيعةِ في العراق وإيران أمرًا مستصعبًا؟
إن القيودَ التي يفرضها النظام الإيراني على شعبه يقلل من إمكانية القيام بدراسات ميدانية. ناهيك عن وجود أسئلة قد يمنع النظامُ الباحثَ سؤالها، أما في الدول غير المستقرة أمنيًا مثل العراق واليمن وسوريا، فالقيام بدراسة ميدانية شاملة على الصعيد الوطني يعدُّ أمرًا أقرب إلى المستحيل.
وإن القيام بدراسة تشمل الشيعة المتدينين يعد أمرًا أصعب من دراسة الشيعة كتركيبة سكانية، فالتدخلات الغربيّة دائمًا ما تفترضُ أن المتدينين منهم هم من يشكلون قاعدة الدعم لحكوماتهم. وبالرغم من وجود معلومات ضئيلة عن انتشارهم الجغرافي أو ممارساتهم الدينية، فإنّ اللقاء بهم في أماكن التجمعات الدينية قد يصحح الكثير من المفاهيم الخاطئة المأخوذة عنهم ولكن المعلومات الدولية عن المساجد والتجمعات الدينية غير مجهزة بعد للقيام بمسوحات ودراسات استقصائية. وهذا يقودنا إلى استنتاج صعوبة ضمّ النساء، أو من يفضلون العبادة في المنزل على الظهور العلني بالمساجد والتجمعات، في الدراسات والاستقصاءات.
ولكن أربعينية الإمام الحسين عليه السلام تقدم لنا فرصة ذهبية لأخذ أمثلة من المتدينين الشيعة في العراق وإيران، فزيارة الإمام الحسين عليه السلام تعدُّ التعبير الأسـمى عن الورع والتقى. وقد ركّزنـا على تأمين عينات لدراستنا من مختلف المناطق في كل دولة، وكانت فرصة مثاليةً لنا لدراسة النسوة خلال مسيرهنّ إلى المرقد الشريف.
لم قمنا بدراسة ميدانية على الزوار؟
إن طبيعةَ الزوارِ بالمشيِ نحوَ الحسين “ع” سهّلت هذا التوجّه المناطقيّ خلال إجراء الدراسة. فالعراقيون يخرجون من منازلهم –أينما كانت في العراق- ويتوجهون سيرًا إلى مرقد أبي الأحرار الإمام الحسين “ع”، فمنهم من يسافر 300 ميل من البصرة جنوبًا إلى كربلاء، أما الإيرانيون فيسافرون عادًة بالحافلة إلى النجف ثم يبدأون بالمسير لمسافة خمسين ميلًا إلى الحسين “ع”. وخلال المسير، تنشر المواكب خيمـها على طول الطريق إلى كربلاء وتقدم مختلف الخدمـات للزوار، بما فيها الخيم الإيرانية التي ساهمت بإعطائنا معلومات جغرافية مهمة للمسوح التي نجريها.
ولأن الدراسة التي نقوم بها اشتملت على مواضيع حساسة، استخدمنا أساليب تجريبية لقياسِ التوترات الطائفية، وبرنامج إيران النووي، موقف الزوار تجاه الغرب والصين وروسيا، وقد سجلنا عدم الإجابة كردة فعل صدرت من الزوار كدليل على حساسية الموضوع أوالإحاطة به.
حين تصبح عدم الإجابة إجابة بحدّ ذاتها
حول موضوع الطائفية أعطى المشـاة إجابات شاملة ودقيقة للأسئلة المباشرة، وحوالي 90% منهم أكدوا تأييدهم للحوار السني-الشيعي لتخفيف النزاعات، وشجعوا الصلوات الموحدة بين السنة والشيعة في المساجد. ولكن عند سؤالهم أسئلة افتراضية حول الجيران والأزواج فطائفة الطرف الآخر كانت أكثر أهمية من دينه وتقواه وعرقه وحالته الاجتماعية قبل الزواج. وكان الاتثناء الوحيد هو شرب الكحول، إذ فضّل الزوار الجيران والأزواج السنة على شاربي الخمر.
وقد شارك بهذه الدراسة حوالي 85% من الذين يسيرون إلى المرقد الشريف في حين رفض البقية لمرافقتهم الحملات الجماعية ولتعذر إيجاد الوقت. وفي حين أن من رفض الإجابة عن بعض الأسئلة كانوا قلةً، إلاأن هناك بعض الأسئلة التي ارتفع رفض إجابة الناس عنها إلى 50%. وكانت أكثر نسبة لعدم الإجابة هي لأسئلة تتمحور حول ما إذا كان الشيعة والسنة يتفقون حول مفهوم العنف في الإسلام، إذ رفض الإجابة عن هذا السؤال حوالي نصف العراقيين والإيرانيين. وهناك أسئلة أخرى رفض المشاركون الإجابة عنها مثل العلاقة بين الحكومة والدين وسياسة إيران الخارجية والديمقراطية.
وكان للنساء النصيب الأكبر من عدم الإجابة، فكانوا أكثر تقبلًا للحديث عن مواضيع تخصّ الأدوار الاجتماعية للمرأة والرجل والمشاكل التي تتمحور حول هذا الموضوع. وعلى عكس ما يبثه الإعلام الغربيّ وتحليلاته، فالمرأة أثبتت أنها قادرة على الدفاع عن حقوقها ورفض التبعية العمياء للرجل خلال هذه الدراسة.
الشيعة ليسوا كيانًا أحاديًا، وهذا مهمٌّ
نجد أنه حتى المؤمنين المتقين من الشيعة يعبرون عن آراء مختلفة قد لا تتفق مع الآخرين حول مواضيع ترتبط بالعلاقة بين الدين والدولة، أو بين منافع ومضارّ المجتمعات والدول الديمقراطية وغيرها. وبالرغم من مساندة الولايات المتحدة الأميركية للدول ذات الأغلبية السنية، فإن أغلب الإجابات كانت لصالح العلاقات المشتركة مع الولايات المتحدة الأميركية، غير أنهم أكدوا رفضهم في ذات الوقت للتدخل الأميركي في البلاد. في حين أن أغلبهم أيد الاتفاق النووي الإيرانيّ وتشاركوا بوجهات النظر المؤيدة حول حرية المرأة واستلامها للمناصب في الدولة.
وكان منهم من أيد التدخل الإيراني في العراق والشرق الأوسط، إلا أن كثرًا منهم رأوا أن الدولة الدينية قد لا تخدم النظام السياسي والديمقراطي المطلوب في البلاد.
هذه الدراسة نموذجًا فريدًا لعيّنة من الصعب الوصول إليها دوليًا في الأيام العادية بظلِّ التغيّرات السريعة التي يشهدُها العالم. وكان تنوع الإجابات والأساليب التي أجريت بها هذه الدراسة من أسئلة وأمثلة حيّة وملاحظة مباشرة قد أسهم إسهامًا نوعيًا في تبيان أهمية استخدام الأساليب المبتكرة للوصول إلى المعتقدات التي يحملها كل فرد حول المواضيع الحساسة أو الشائكة.
إعداد: فوتيني كريستيا، بروفيسورة مشاركة في العلوم السياسية في معهد ماستشوستس للتكنولوجيا. وقد قامت بهذا البحث بالمشاركة مع أساتذة العلوم السياسية في ذات المعهد آندرو كارنيجي وإليزابيث ديكسير ودين نوكس.
إن النتائج الكاملة والتفصيلية للدراسة مرفقة بالمقال الأصليّ، ويقع في 179 صفحة، لمن يرغب بالتوسع والاطّلاع.
ترجمة: زينب الحكيم، موقع شفقنا للأنباء- بيروت عن صحيفة واشنطن بوست، عن العدد الصادر بتاريخ 21 نوفمبر/ تشرين الثاني/ 2016.