شفقنا- بيروت- قد يبدو الإسلام حديث العهد في الولايات المتحدة الأميركية فأول ما يتبادر إلى الذهن في أيامنا هذه أن المسلم الأميركي مهاجرٌ حديث من الشرق الأوسط. ولكن قام البروفيسور مايكل غوميز المتخصص بالدراسات الإسلامية وشؤون الشرق الأوسـط في جامعة ميشيغن بالولايات المتحدة الأميركيـة بتقديم ورقة بحثٍ يفسّرُ فيهـا أن المسلمين الأوائل مثلوا جزءًا من الشعب الأميركيّ منذ الحقبة الاستعمارية حين جيءَ بهم كعبيـد من غرب إفريقيـا.
ويذكر غوميز في بحثه أنه ومنذ القرن السادس عشر اكتظّت بعض المناطق بالمسلمين الأفارقة نتيجة تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي. وتمنحنـا الإعلانات عن العبيد الهاربيـن في أميركا الشمالية دليلًا على أن فئة منهم كانت مسلمة. ففي ولاية كارولاينا الجنوبية وجورجيـا ولويزيانا عُثر على إعلانات تضمنّت أسماءً إسلامية مثل مصطفى وبِلال. ويستنتج غوميز مما ذُكر أن هذه المناطق كانت تختصّ بزراعة وإنتاج الأرزّ حيث كان مُلَّاكُ العبيدِ بحاجة للمسلمين منهم لخبرتهم الأوسع في مجال زراعة الأرزّ وحصده آنذاك.
ولم يصل لنا إلا النذر القليل من حياة العبيد في أميركا بشكلٍ عامّ والمسلمين منهم بشكلٍ خاصٍّ، لكن غوميز استقصى أثر الإسلام في أميركا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر من خلال دراسته لقصص عدد من الشخصيات البارزة آنذاك. منهم صالح بلالي الذي وصل إلى أميركا الشمالية في العام 1800 وأصبح فيما بعد مديرًا لمزرعة في ولاية جورجيا. وقد ارتدى طربوشًا وقفطانًا وأدى الصلوات اليومية وصام رمضان. وذكر بعض البيض ممن وثّق حياة العبيـد أن منهم من تكلّم وكتب العربيّة وأدى الشعائر الإسلامية وقام بتسمية أولاده أسماءً إسلاميّة.
وقد قامت إدارة سير الأعمال الأميركية WPA في ثلاثينيّات القرن الماضـي بمقابلة عبيدٍ سابقين وأطفالهم الذين أكدوا في حديثهـم أن أجدادهم مارسوا الشعائر الإسلاميّة من صلاة الجمعة والتسبيح والامتناع عن تناول المحرَّمات من المأكل والمشرب فيما ارتدت النساء الحجاب. ومن الملاحظ أن هذه الشعائر قد تراجعت ممارستها تدريجيًا في الأعوام التي سبقت الحرب الأهلية في القرن التاسع عشر، إذ خفت تجارة الرقيق المسلمين أولًا، فيما أدت الظروف الصعبة التي عاشها العبيد إلى صعوبة الحفاظ على التقاليد والشعائر الدينية وتوريثها إلى الأجيال ثانيًا.
ويعتقد غوميز من خلال دراسته لهذه المقابلات أن بعض المسلمين الأفارقة قد أخفوا دينهم الحقيقي، إذ كان منهم من بدا مترددًا في التحدث بوضوح عن ديانته، مضيفًا أنّهم ما كانوا ليعترفوا بإسلامهم في الريف الجنوبي من أميركا في ثلاثينيات القرن العشرين. ومهما يكن من أمر فهذه كلّها دلائل على أن الإسلام في أميركا ليس دينًا حديث العهد.
ترجمة زينب الحكيم
النهاية