شفقنا-خاص-منذ تموز/يوليو الماضي وحتى اليوم، تم اعتقال عشرات الالاف من العسكريين والقضاة والسياسيين والمفكرين والصحفيين واساتذة الجامعات والطلاب والفنانين والرياضيين والموظفين، كما تم طرد نفس هذا العدد من وظائفهم، واغلاق العشرات من المراكز والمنظمات والصحف، في تركيا بعد الانقلاب الفاشل، بتهم مختلفة منها التورط بالانقلاب والارهاب والتعاطف مع الداعية فتح الله غولن.
يوم الجمعة 11 تشرين الثاني/نوفمبر علقت وزارة الداخلية التركية أنشطة 370 منظمة غير حكومية من بينها منظمات حقوقية وأخرى معنية بالطفل!!، بذريعة ارتباطها بجماعات إرهابية، منها 153 يشتبه في ارتباطها بحركة كولن و190 بحزب العمال الكردستاني و19 بجماعة متشددة يسارية وثمانية مرتبطة بـ “داعش”، ودافع نعمان قورتولموش نائب رئيس الوزراء التركي عن حظر هذه المنظمات، لانه يأتي في اطار محاربة تركيا للمنظات الارهابية التابعة لغولن والاكراد واليسار و“داعش”.
المراقبون للمشهد التركي يعرفون جيدا ان “داعش” قد اُقحمت في البيان الصادر عن وزارة الداخلية التركية بشأن تعليق عمل المنظمات غير الحكومية المتهمة بالارهاب، وذلك لتبرير القرار ، لسبب بسيط وهو ان “داعش” لم تتلق دعما من اي بلد او جهة في العالم كما تلقت من تركيا ، فكلنا يتذكر كيف حاصر الجيش التركي الى جانب “الدواعش” بلدة كوباني (عين العرب) شمال سوريا على مدى سبعة اشهر، وكيف مدت تركيا “داعش” بالاسلحة والرجال خلال السنوات الخمس الماضية، الى ان اضطرت ان تنظم الى الحلف الدولي الذي تقوده امريكا ضد “داعش”، وبشكل استعراضي، كما شاهدنا خلال عمليات “درع الفرات”، التي بدات قبل شهور في شمال حلب ضد “داعش”، بينما لم يقتل من الجيش التركي و“داعش” شخص واحد لحد الان، وكل الذي شاهدناه هو انسحاب “داعش” امام الجيش التركي، تاركا له البلدات السورية ليدخلها دون قتال.
يعتقد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ان الانقلاب الفاشل الذي إستهدف حكمه، وفر له فرصة لا تعوض لينقض على منافسيه وخصومه السياسيين، ويتخلص منهم والى الابد، ليحكم تركيا عبر نظام رئاسي يحتكر فيه الرئيس كل السلطات، ولكن فات اردوغان حقيقة بديهية وهي؛ انه من الصعب بل وحتى المستحيل، ان يتمكن وعلى المدى المتوسط وليس الطويل، ان يعيد تركيا الى الوراء، خلافا لرغبة وارادة الشعب التركي الذي قارع وعلى مدى عقود طويلة الحكومات الاستبدادية ودفع من اجل ذلك اثمانا باهظة من خيرة شبابه ومثقفيه.
الشعب التركي الذي حقق تقدما ملحوظا على مدى العقود الماضية في المجالات الاقتصادية والعلمية والزراعية والصناعية وانعكس هذا التقدم على حياته بشكل عام، حتى اصبح الدخول الى النادي الاوروبي حلما يرواد قطاعات واسعة من الشعب التركي، لذلك من الصعب جدا على اردوغان، مهما استغل تعطش الاتراك للاسلام، بعد غربة دامت اكثر من سبعة عقود، ان يعيد الشعب التركي الى الوراء، ويفرض عليه نظاما رئاسيا استبداديا يكمم الافواه ويلقي بعشرات الالاف الى السجون بتهم واهية، فيما يورط في المقابل تركيا في حرب لا ناقة لها ولا جمل في سوريا والعراق، الا لارضاء نوازع اردوغان العثمانية.
الضغط الهائل الذي يمارسه اردوغان على الشعب التركي، يتزامن مع توريط تركيا في ازمتين اقليميتين، هما ازمتا العراق وسورية، حيث ارسل الجيش التركي الى اراضي هذين البلدين دون التنسيق مع حكومة بغداد ودمشق، بذريعة محاربة الارهاب، بينما تدنت علاقة تركيا مع الاتحاد الاوروبي الى مستويات غير مسبوقة، بعد ان ارتفعت الاصوات في اوروبا تدعو الى وقف مفاوضات انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي، بينما علاقات تركيا مع مصر فانها تتدهور من سيىء الى اسوء اثر التدخل التركي غير المبرر في شؤون مصر الداخلية.
ان هذه العوامل بالاضافة الى الصراع الدموي الذي تشهده مناطق جنوب وجنوب شرق تركيا مع الاكراد، كلها قد تعجل بالربيع التركي قبل اوانه، فجميع الظروف مهيئة لاندلاع ثورة عارمة ضد الاوضاع الملتهبة في تركيا، والتي زاد من التهابها سياسة اردوغان في سد جميع المنافذ امام الدول الجارة ومصر والاتحاد الاوروبي وحتى امريكا ومن قبلهم خصومه ومنافسيه الداخليين، للوصول الى حل وسط يرضي جميع الاطراف.
النهاية