خاص شفقنا-بيروت-ليس خافيا على متابع ان نظرتين حكمتا علاقة الشيعة بواقعة كربلاء واحيائها العاشورائي السنوي، النظرة الأولى لا ترى من عاشوراء الا مناسبة سنوية تجدد فيها الحزن و البكاء والجزع على الإمام الحسين، اما النظرة الثانية فتشعر بالجزع نفسه شعرة تفجر ثورة الاصلاح الحسيني لتسير في سبيل تحقيق اهداف الإمام عليه السلام، فكان اللطم الحسيني من أدوات الإحياء العاشورائي.
وانطلاقا مما ذكر، بات جليا واضحا لما اختارته هيئة “احيوا أمرنا” في “معهد المعارف الحكمية والفلسفية” ان تقف مع اساتذة كبار لمناقشة عنوان “اللطم، دوره اهدافه وكيفية تطويره” في ندوة حضرها حشد من المهتمين والمثقفين.
بداية، عرض فيلم قصير حول نماذج للّطم شكلت بأغلبها نماذج واضحة صادقة عن اللطم اللبناني في فترة ما بعد انتصار الثورة الاسلامية.
همداني: عرفت اللطمية في لبنان في العقود الاربعة الأخيرة تغيرات عدة
المؤلف والباحث الموسيقي، احمد همداني، اشار الى ان اللطم الحسيني في لبنان عرف على انه اسلوب تقسيم شعائري تفاعلي تجاوبي منظم في بعد موسيقي، وطرأ عليه بعض التحولات على المستوى الشكلي والأدائي والأهداف نتيجة لعوامل عدة اولها انخراط اللطمية في منظمة التعبئة العسكرية للمقاومة ضد اسرائيل في ثمانييات القرن الماضي وتأثرها بالاساليب الخليجية وتحديدا العراقية في التسعينات وبشكل متعاظم الى اليوم واخيرا اخضاعها لمندرجات التطور التكنولوجي لبرامج التسجيل والانتاج الصوتي في الاستديوهات.
واضاف “عرفت اللطمية اللبنانية في العقود الاربعة الأخيرة تغيرات عدة في الاسلوب والحركة وكذلك على مستوى البنية الايقاعية واللحنية تبعا لتطور الظروف السياسية والتواصلية مع المجتمعات الشيعية الأخرى خصوصا الخليجية.
وتابع “بعد انتصار الثورة في ايران انطلقت الصحوة الجهادية الشيعية في لبنان في اطار العمل المقاوم ضد الاحتلال حيث بدأت المعارك تستلهم القيم الجهادية من ثورة الامام الحسين التي حملت مفردات المظلومية والقهر، فأصبحت اللطمية بذلك انشودة حربية، وجسرا عابرا للزمان والمكان حوَّلَ كل ارض جنوبية الى كربلاء متجددة”..
وشدد على ضرورة الالتفات الى الابقاء على الهوية المحلية التي تتناسب مع كل افرازات التجربة الشيعية الرائدة في شتى الميادين الجهادية والفنية وغيرها..
ولفت الى ان كل المحاولات لم تنجح في تحديد بدايات اللطم وتاريخه وظروفه بشكل ما ورد في احاديث ائمة المذهب الشيعي وكتب المقَاتل من ذكر لموضوع اللطم ترتبط بالدلالة الواضحة للمعنى الاولي للكلمة فلا يوجد اي دليل نصي شرعي على ارتباط هذه المسيرة بشكلها المنظم بزمن الأئمة المعصومين او على الاقل قد تحدثوا عنها فضلا عن انهم قد شجعوا عليها.
وقال “لقد اعتبر علماء الشيعة ان هذه الشعيرة عمل راجح فالأهم هو الامتثال بتوجيهات اهل البيت عليهم السلام باظهار الحزن على مصيبة الامام كل بحسب منطقته وعاداته وتقاليده بما لا يؤذي النفس او يشوه صورة المذهب”.
الشيخ الأكرف: اللطم يظهر حضارية الشعائر الحسينية
بدوره تحدث الشيخ حسين الأكرف وهو أحد اركان اللطمية المعاصرة، عن دور اللطم في احياء الشعائر الحسينية، لافتا الى انه يحافظ على شعبوية وجماهيرية الشعائر واستقطابها لمختلف شرائح المجتمع، وانه يحرك الشعائر الحسينية في دائرتي العاطفة والحماسة والاستنهاض ما له من طبيعة تفاعلية تثير الشجى وتنهض بالهمم.
واضاف ان اللطم يظهر حضارية الشعائر الحسينية في الشكل هو المضمون، وينقلها من حالة ردة الفعل الى الفعل حيث استطاع ان يلعب دورا جوهريا في تعبئة الشباب وحشدهم لمواجهة اعداء الامة وتغيير المعادلات في الصراعات على مختلف الاصعدة، اضافة الى انه فتح باب احياء الشعائر امام المواهب والتخصصات المتنوعة.
ومن ادواره ايضا، اشار الأكرف، الى انه يوسع الدائرة التبليغية في الشعائر حيث لم يعد الوعظ والارشاد والتبليغ محصورا بالخطابة الحسينية بل انتقل عبر القصائد الى اللطم واخذ مداه الواسع في التأثير وتصدير مبادئ واخلاق الثورة الحسينية وتبليغ معارف الدين، اضافة الى دوره في مواجهة الغزو الثقافي عن طريق الترويج للفن الهابط وغير الملتزم، حيث قدم اللطم ولازال نماذج راقية جاذبة للذوق الانساني وخصوصا الشبابي منه سدا متماسكا في وجه الفن غير الملتزم واستطاع لفت انتباه الخواص والعوام في هذا المجال.
ونبه الاكرف الى مسألة مهمة في عملية تطوير اللطم وهي ان الوقوف على فلسفة الجمال فيه وطبيعة اتقانه يجب ان تنتزع من التراث الحسيني في اللطم عبر استقراء الموروث منه واستخراج خصائصه الجمالية والفنية والبناء عليها كأسس ثابته، منوها بأن للطم ذائقة خاصة وجمالا منفردا لا يمكن ان يكون محكوماً لضوابط الفن العام.
الشيخ ادريس: اللطمية اللبنانية كانت عامية
ثم كانت كلمة للشاعر والناقد الادبي الشيخ طارق ادريس تحدث فيها عن الوزن والمعنى في اللطم الحسيني، لافتا الى ان اللطمية اللبنانية كانت في البداية عامية، وتسير على ايقاع وزني نفس اوزان الخليل بن احمد الفراهيدي، وكتبت اللطمية الحسينية الفصيحة الاولى في لبنان استجابة الى الحاجة الملحة الى اللطمية بوقت لم يتصدى احد.
وتحدث عن المواضيع التي تناولتها اللطمية واولها ندب الإمام الحسين واهل بيته واحيانا ندب الذين جرى ما جرى عليهم في كربلاء وبعض اللطميات اتت اما من فصائل تراثية معروفة واما اضيف عليها.
واضاف أما من حيث المواضيع، فلم يُندب الإمام الحسين فقط بل كان هناك لطميات للإمام علي.
وعن المعاني التي تضمنتها اللطميات ومن اجملها هو الشوق لزيارة الإمام الحسين، و ما كان يساعد في اللطميات لحنها الحزين، اضافة الى ما تضمنته ايضا من دعوة للثأر للإمام الحسين من الظَلَمة وربط الإمام بأحكام الشريعة والدين.
النهاية
