خاص شفقنا-لا يستسيغها عقلٌ بشري، ملايين من البشر في بلدٍ بنيتهِ التحتية مدمرة، خرجَ من حروبٍ كثيرةٌ وطويلةٌ ومريرة، في بلدٍ؛ نخرَ الإرهاب جسدهِ، والفساد أطرافهِ، فتمزقَ ألماً يُغني لألم شعبهِ، يُصنفُ من ضمن العالم الثالث، وهو فقيرٌ جداً بأغلبية مريحة، وكل العالم ينصب لهُ العداء خشية أثبات وجودهِ، الذي يُقلق أسرائيل ويمنع أتباعها من النوم.
هذا البلد، يستضيف سنوياً ملايين الزائرين، وأضعاف هذا العدد يخرجون بمسيراتٍ راجلة، لا يحملون في أمتاع السفر غيرَ ملابسهِم، كل شيء متوفر، الطعام والماء والمنام، والراحة والترحيب والإطمئنان، كلها مثل الهواء متوفرة من آخر نقطة في البصرة، وصولاً إلى كعبة الأحرار كربلاء، ومن بغداد شمالا وديالى وكركوك، حتى مرقد الإمام الحسين (عليه السلام).
أيُّ كرمٍ أكثر من هذا الكرم؛ في طريق العشق الإلهي تجد عجوزاً شارفَ عمره التسعون عاماً يخدم، على جانبيهِ طفلٌ ابن الخمسةِ أعوام يُقدم الماء، وأمرأة لا مُعيل لديها تُقدم التَمر وتتوسل الزائرين ضيافتها، وكل شيء تجدهِ في الأسواق الراقية، تجدهُ في ذلك الطريق، كأنهُ سوقٌ خيري، تأكل فيه ما تشتهي، وتنام فيه ما شئت، وتجد فيه ما تتمنى.
ضربَ أهل العراق أمثالاً بالكرم والفروسية والشجاعة، وأذهلوا العدو والصديق، بغير حسابات دنيوية، ولا مخططات ستراتيجية، تجد الجميع يُغادر بيته، لا يتوادعون بينهم، لإنهم كلهم يغادرون، وكلٌ واحدٌ منهم يخدم بنطاق قابليتهِ، الرجل والمرأة والطفل، والشباب يرسمون لوحات للصبر تليق بالشيوخ، فتراهم حريصين على الخدمة، مواضبين على التواجد في ذلك الزخم الهائل، يستذكرون العِبرة ويُذكرون بالعَبرة، وايضاً هم مغادرين؛ فقد غادروا ساحات اللعب والهواية والارتباطات الكثيرة، وتوجهوا نحوَ طريق الخدمة.
أيُّ شعبٍ هذا، وكل شيء يتحول تلقائياً لصلاة وعبادة، كأن السماء تتوشح بخيمة كبيرة، طولها الاف المترات، وكأن السلسلة البشرية السائِرة؛ تتشح بالحزن والفخر والإنتصار، فالأربعين الخالدة؛ مثالاً لتألق شعب، وكرامة وطن، وكرمٌ فاقَ كرم حاتم المشهور، أو فاقَ حدود مفهوم الكرم، ليؤسس لكرمٍ عراقيٍ كبير لا يقوى احد على تكراره.
هل يستحق مثل هذا الشعب الذي رسمَ مفهومٌ اخر للإنسانية أن يُحارب!
حروبٌ كثيرة، وأكثر منها أرهاب، وأكثرُ منهما عداء، لشعبٍ لا يريد الأذى للعالم، كل ما يبتغيه هو العيش بكرامة، بعيداً عن الدكتاتورية المصنعّة في دول الغرب، وبعيداً عن أجندات سلطوية توسعية، تريد بوطنهم سوءاً، فهل يستحي العالم ويخجل!
النهاية