شفقنا-خاص- قبل ايام أجرت وكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) لقاء مطولا مع رئيس التحالف الوطني العراقي السيد عمار الحكيم، تطرق فيه الى معركة تحرير الموصل ، والموقف التركي ازاء ما يجري في العراق، وكذلك العلاقة بين مكونات الشعب العراقي.
من بين جميع القضايا التي تطرق اليها السيد الحكيم في ذلك اللقاء سنتوقف قليلا امام تصريحه اللافت حول العلاقة بين شيعة وسنة العراق ، وخاصة عند قوله : ان “العلاقة بين السنة والشيعة في العراق تقترب من مرحلة النضج، وتسير في بدايات الطريق الصحيح، وكل الأطراف بدأت تتخلى عن أوهامها وتحجم مخاوفها، وهذه مرحلة متطورة جدا وسنبني عليها”.
كلام السيد الحكيم يؤكد ان هناك اوهاما كانت تساور الشيعة والسنة ازاء بعضهما البعض، وكانت هذه الاوهام احدى الاسباب التي ادت الى ايجاد الحالة الامنية المزرية التي يعشيها العراق منذ اكثر من عقد، ولن تزول هذه الحالة الا بزوال هذه الاوهام، واعتماد نظرة واقعية الى العلاقة التي تربط بين المكونين الرئيسيين في العراق.
من الواضح ان الاوهام لن تجد طريقها الى عقول الناس عبر الفراغ، بل ان هناك قنوات تدفع بهذه الاوهام دفعا لتندس في عقول الناس، وتجعلهم يرون الواقع والعلاقة مع الاخر، بالشكل الذي يتناقض كليا مع حقيقة هذا الواقع وحقيقة هذه العلاقة على الارض، فبذلك تتفجر الحالة العراقية عن ممارسات دموية لا يمكن فهمها او تبريرها منطقيا.
قبل ان نتطرق الى اهم العناصر التي تغذي حالة الوهم لدى العراقيين، سنمر سريعا على اخطر هذه الاوهام التي نغصت على العراقيين حياتهم، وهي:
-وهم امكانية القضاء على مكون عراقي وافراغ العراق منه.
-وهم امكانية حكم العراق من قبل مكون واحد وبقوة السلاح.
-وهم ان العراق كان منذ البداية يحكمه السنة، ويجب ان يبقى يحكمه السنة الى الابد.
-وهم ان العراق يفقد عروبته بمجرد ان يحكمه، او يشارك في حكمه، مكون اخر غير المكون السني.
-وهم ان شيعة العراق، ليسوا عراقيين ومطعون في وطنيتهم.
-وهم ان بامكان البعض ان يعيد عقارب الساعة الى ما قبل عام 2003.
-وهم عودة البعث الصدامي الى حكم العراق مرة اخرى.
-وهم ان كل سنة العراق اما وهابية واما صدامية.
-وهم ان العراقي يمكن ان ينتصر على اخيه الشيعي او السني، عبر الاستقواء بغير العراقيين.
-وهم ان بامكان مكون ما الحصول على اكثر من حقه، عبر السماح لشذاذ الافاق من دخول العراق واستغلالهم كورقة ضغط في هذا الشان.
-وهم ان بامكان مكون ما في العراق ان يعيش الامن والامان فيما المكون الاخر لا يذوق طعم هذا الامن والامان.
من الواضح ان هذه الاوهام، وبما انها اوهام، فهي تجد طريقها عادة الى عقول البسطاء من المكونين، عبر الهجمة الاعلامية والحرب النفسية التي تشنها فضائيات ومشايخ الفتنة وصحفيون ماجورون، على الشعب العراقي سنة وشيعة، بهدف تكثيف هذه الاوهام في عقولهم، وبهدف دفعهم للاحتراب والنزاع فيما بينهم، وصولا الى تشتيتهم، وتجزئة بلادهم، كما فعلوا في اكثر من بلد وباساليب ومزاعم اخرى، كما نشهد في ليبيا واليمن وسوريا.
يبدو ان بعض العراقيين، سنة وشيعة، وبعد 13 عاما من دس هذه الاوهام في عقولهم، اخذوا يقتربون من مرحلة النضج، كما يرى السيد الحكيم، وهذه الرؤية ليست رؤية ساذجة، فالرجل هو احد قادة العراق وله معرفة بخفايا ما يجري في بلاده، فمن الواضح ان تجربة الاعوام ال13 الماضية اثبتت للعراقيين جميعا، ان كل الجهات التي نفخت في هذه الاوهام، لا تريد خيرا للعراقيين سنة وشيعة، وان عليهم الا يعيروا اهمية لمخاوفهم التي اصطنعوها لهم، ليقتل بعضهم بعضا، ويكفي ان تعرف مكونات الشعب العراقي حجمها ودورها في الحياة الاجتماعية والسياسية، بعيدا عن الاوهام والمخاوف المصطنعة، عندها فقط لا تملك تلك “الاوهام” من خيار امامها الا الرحيل من عقول وربوع العراقيين، الذين لم يحصدوا من هذه الاوهام سوى الموت والخراب والدمار والفوضى.
ما يحصل اليوم في الموصل، يعتبر من اهم معالم النضج العراقي ، فهناك تتبلور حالة وطنية راقية، حيث العراقيين بمختلف قومياتهم وديناتهم ومذاهبهم، يحاربون في خندق واحد، عدو الاسلام والانسانية “داعش” المتوحش، بعد ان كان البعض من العراقيين وللاسف الشديد، قبل عامين فقط، يستخدم “داعش” كورقة لتحقيق اوهامه في القضاء على مكون اخر واعادة العراق الى ما قبل عام 2003، الا انهم ارتكبوا بسبب هذا الوهم القاتل جريمة كبرى ليس بحق شيعة العراق فحسب بل بحق المكون الذي ينتمون اليه، ان ما نشاهده اليوم في الموصل، اكد حقيقة هذا النضج العراقي، فالعراقيون هناك يحاربون عدوا واحدا يتهددهم جميعا، ولن يحاربوا “طواحين الهواء” بعد اليوم، كما حاربوها على مدى اكثر من عقد وبشكل عبثي رهيب، وهم غرقى في أوهامهم.
النهایة