شفقنا العراق – أعلن وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي رسميًا أن بلاده أبرمت عقدًا مع دولة جنوب أفريقيا لاقتناء سرب من الطائرات المسيّرة متعددة المهام، مؤكدًا أن الطائرات ستصل إلى العراق قريبًا.
وحسب مصادر دفاعية متطابقة، فإن الطراز المرجّح هو Milkor 380 من إنتاج شركة Milkor South Africa، وهي طائرة غير مأهولة من فئة MALE (متوسطة الارتفاع طويلة المدى) صُممت لتوفير قدرات استطلاع وهجوم دقيقة بتكلفة تشغيلية منخفضة مقارنة بالمقاتلات التقليدية.
العراق يعزّز ترسانته الجوية بطائرات مسيّرة
يأتي هذا التطور ضمن سياسة عراقية جديدة تهدف إلى تنويع مصادر التسليح وتطوير القدرات المحلية في مجال الأنظمة الجوية غير المأهولة، انسجامًا مع متطلبات الحرب الحديثة التي أصبحت تعتمد على الطائرات المسيّرة لتنفيذ المهام الاستخبارية والضربات الدقيقة في بيئات معقدة ومتشعبة.
قدرات Milkor 380: منصة استطلاع وهجوم بعيدة المدى
وتعدّ Milkor 380 واحدة من أبرز الطائرات غير المأهولة التي طورتها الصناعة الجنوب أفريقية خلال العقد الأخير.
وحسب المواصفات المنشورة من الشركة المصنّعة، تتميز هذه المنصة بقدرتها على التحليق على ارتفاعات تصل إلى 30 ألف قدم لمدة تتجاوز 30 ساعة متواصلة، مع مدى تشغيلي يزيد عن 4,000 كيلومتر، ما يجعلها مثالية لمراقبة الحدود العراقية الممتدة من الشمال إلى الجنوب.
كما تتيح حمولة الطائرة التي تبلغ 220 كغ حمل مزيج من الذخائر الموجهة والقنابل الذكية إلى جانب أجهزة الاستشعار الكهروبصرية وأنظمة التحديد بالليزر، ما يمنحها قدرة على تنفيذ المهام الاستطلاعية والهجومية في آن واحد.
كذلك تشير تقارير تقنية نُشرت في دوريات دفاعية أفريقية إلى أن المنصة مصمّمة لدمج منظومات تسليح غربية وشرقية المنشأ على حدّ سواء، مما يمنحها مرونة عالية في الاستخدام والتكامل مع الأنظمة العراقية القائمة.
كما تدعم Milkor 380 بنية رقمية متطورة تسمح بدمج البيانات الاستخبارية في الوقت الفعلي، عبر وصلات بيانات مشفرة وأنظمة تحكم أرضية مؤتمتة.
ويرى محللون عسكريون أن هذا النوع من القدرات سيساعد العراق في تأمين مناطقه الحدودية الصحراوية ومراقبة تحركات الجماعات المسلحة في المناطق النائية، خصوصاً في مثلث الأنبار – نينوى – صلاح الدين.
Shahpar II: المسيّرة الباكستانية التي تتجه نحو بغداد
بالتوازي مع العقد الجنوب أفريقي، كشف الوزير العباسي عن مفاوضات متقدمة جداً مع باكستان لشراء الطائرة المسيرة Shahpar II، وهي من إنتاج هيئة الصناعات الدفاعية الباكستانية GIDS (Global Industrial & Defence Solutions).
وقد أكدت مصادر في وزارة الدفاع الباكستانية لصحيفة Dawn أن المباحثات مع بغداد وصلت إلى “مرحلة متقدمة جداً”، وأن الصفقة المنتظرة ستكون “الأولى من نوعها مع دولة عربية”.
ودخلت Shahpar II الخدمة الفعلية في الجيش والقوات الجوية والبحرية الباكستانية منذ عام 2021، وظهرت علنًا خلال عرض يوم باكستان في مارس من العام نفسه.
وتشير البيانات الفنية المنشورة من GIDS إلى أن الطائرة قادرة على التحليق بسرعة تصل إلى 222 كلم/س، وبمدى عملياتي يبلغ 1050 كلم، مع مدى ارتباط بيانات مباشر يصل إلى 300 كلم.
كما يمكنها تنفيذ مهام الاستطلاع والهجوم الليلي والنهاري بفضل أنظمة التصوير الحراري والتوجيه الليزري.
وتظهر تقارير تحليلية من مجلة Asian Defence Review أن Shahpar II تمتاز بإمكانية إعادة تشغيل المحرك أثناء الطيران والاتصال بالأقمار الصناعية (SATCOM)، مما يمنحها مرونة تشغيلية عالية على المسافات المتوسطة.
كذلك تظهر المقارنة أن العراق يتّجه إلى بناء منظومة مسيّرات طبقية تجمع بين طائرات بعيدة المدى (Milkor 380) لتغطية الاستطلاع الإستراتيجي، وطائرات متوسطة (Shahpar II) للمهام التكتيكية الهجومية.
ويمثل هذا المزيج نموذجًا مشابهًا لتجربة الإمارات وتركيا في الدمج بين مسيّرات المراقبة والمسيّرات القتالية.
تحديات التشغيل ونقل التكنولوجيا
ويرى خبراء دفاعيون أن نجاح هذه الخطوة يعتمد على قدرة العراق على بناء بنية تحكم متكاملة تشمل محطات أرضية مؤمنة وشبكات اتصالات عالية الموثوقية، إضافة إلى تدريب طواقم فنية مختصة بالصيانة والبرمجة.
ويشير تقرير لمركز IISS في لندن إلى أن أحد أبرز التحديات التي تواجه برامج المسيّرات في الشرق الأوسط هو الاعتماد المفرط على الموردين الأجانب في مجال قطع الغيار والبرمجيات، وهو ما يمكن أن يعرقل الجاهزية العملياتية في حال نشوب أزمات إقليمية.
لذلك، يتوقَّع أن تسعى بغداد إلى نقل جزئي للتكنولوجيا (ToT) من خلال عقود التصنيع المشترك أو الصيانة المحلية، على غرار ما قامت به مصر والأردن في برامج مماثلة خلال السنوات الأخيرة.
قراءة استراتيجية: من الدفاع التقليدي إلى الردع الذكي
يمثّل التوجه العراقي نحو امتلاك أنظمة مسيّرة متقدمة تحولًا في العقيدة العسكرية من الاعتماد على الطيران المأهول التقليدي إلى الحرب الشبكية المعتمدة على البيانات الفورية والاستهداف الدقيق.
ويفسَّر هذا التحول بضرورة مواجهة التهديدات غير المتناظرة — من تسلل الجماعات المسلحة إلى التهريب الحدودي، بوسائل مرنة ومنخفضة التكلفة التشغيلية.
كما يرى خبراء في Defense News Middle East أن العراق يحاول عبر هذه العقود، تحقيق توازن بين الشراكات الدفاعية الشرقية والغربية، بعد عقود من الاعتماد على المعدات الأميركية والروسية، في محاولة لإيجاد سياسة تسليح متعددة الاتجاهات تحفظ استقلالية القرار الدفاعي.
خاتمة: مسيّرات بغداد… نحو سيادة جوية مرنة
ويضع العراق بهذه الخطوة أساسًا متينًا لعصر جديد من الحرب الذكية، حيث تلعب الأنظمة غير المأهولة دور العمود الفقري في جمع المعلومات وتنفيذ الضربات الدقيقة.
لكن نجاح هذا البرنامج لن يتحقق إلا عبر استثمار فعلي في البنية التقنية والبشرية، وإطار تشريعي وتنظيمي واضح يضمن الاستخدام الرشيد لهذه التكنولوجيا داخل الأجواء الوطنية.
إن تعزيز القدرات المسيرة لا يعني فقط رفع كفاءة الردع، بل يشكل أيضًا تعبيرًا عن تحول استراتيجي أعمق في فكر الدفاع العراقي، من التبعية إلى الاستقلال التقني والسيطرة الذاتية على السماء.

