خاص شفقنا- بيروت-لقد قدم الإسلام عبر التاريخ صورا لأورع النساء اللواتي مازالت أسماؤهن تترد حتى أيامنا هذه وعلى مر العصور، ولم يحصر الدين الإسلامي دور المرأة كفتاة وأم وزوجة بل أعطاها حقوقها كاملة متساوية مع الرجل لتخرج إلى الميدان العملي وتبرع في العمل الإجتماعي وتحتل المراكز ضمن العمل السياسي.
إلا أن هناك الكثير من التساؤلات التي تثير جدلاً حول العمل العسكري للمرأة، والعمل في السلك الجهادي، والذي بطبيعة الاحوال يحتاج الى مجهود كبير لا يقتصر على حمل البندقية وتوجيه الرصاص الى العدو، بل يشمل تأمين وصول السلاح من جهة وإمداد المجاهدين بالطعام والثياب والاسعافات للجرحى من جهة أخرى، وغيرها من المهام التي تتطلب مجهودا كبيرا، فالدفاع عن الاسلام والمسلمين يتطلب وقفة من جميع المكلفين سواء كانوا رجالا او نساء للدفاع بكل الوسائل الممكنة.
المرأة شريكة الرجل في ألوان الجهاد في الحياة
وفي هذا السياق يشير رئيس المحكمة الحركية العليا القاضي السيد بشير مرتضى في حديث خاص لوكالة “شفقنا” الى ان الدور الجهادي للمرأة ليس بالضرورة ان يكون دورا عسكريا او ان تحمل السلاح والسيف، بل يمكنها ان تؤدي أدوارا جهادية متعددة في مساندة ومعالجة الجرحى في الحروب ليكون موازيا لدور الرجل في خلال الأزمات والنزاعات.
ويؤكد سماحته ان التاريخ مليء بالشواهد التي لعبت فيه المرأة دوراً متقدما الى جانب الرجل، فكان ملائماً مع وضعها وبنيتها وخصوصيتها واعتباراتها، لافتا الى ان الاسلام – هذا الدين الحنيف- الذي اعطى للمرأة حقها ودورها وكرمها وكانت شريكة الرجل في ألوان الجهاد في هذه الحياة، وإن اسقط عنها الواجب الجهادي من شكل وطراز الحرب والمعارك، إلا انه اتاح لها أن تلعب أدواراً أخرى متقدمة في السلم كما في الحرب كما في كل المجالات.
وفي كربلاء، كان دور المرأة رائداً في الجهاد، حتى في أرض الميدان، كما فعلت “أم وهب التي أقحمت ولدها، العريس، في أرض المعركة، ولم ترضَ حتى قتل بين يدي أبي عبد الله عليه السلام، وكانت خرجت تحمل معه وتقول: لن أعود حتى أموت معك”.
وهناك العديد من نماذج النساء اللواتي استشهدن مع الإمام الحسين “ع” أبرزهن أم وهب النمرية القاسطيّة زوجة عبدالله بن عمير الكلبي، فقد وقفت عليه وهو مضرّج بدمائه قائلةً: “أسأل الله الذي رزقك الجنّة أن يصحبني معك”، فقتلها رستم غلام شمر بعمود.
كذلك أمّ عبدالله بن عمير، فإنّها بعد قتل ولدها أخذت عمود خيمة وبرزت به إلى الأعداء، فأرجعها الإمام الحسين “ع” قائلاً: “إرجعي – رحمك الله – فقد وضع الله عنك الجهاد.
وأمّ عمرو بن جنادة الأنصاري، التي أخذت سيفاً بعد مقتل ولدها، وجعلت تقول:
“أنا عجوز في النسا ضعيفة، بالية خاوية نحيفة ، أضربكم بضربة عنيفة، دون بين فاطمة الشريفه”، فأتاها الإمام الحسين “ع” وردّها إلى الخيمة.
السيدة زينب.. صوت كربلاء
وعندما نذكر أرض الطف والمعركة لا يمكننا إلا أن نعرّج على شخصية السيدة زينب عليها السلام التي قدمت أروع صور للجهاد والتي قد خلّدها التاريخ لتبقى في قلوب كل من أراد ان يقف في موقف الحق، ولا بد من الإشارة إلى أن ثمّة وجوها أخرى للحرب كالحرب النفسية والإعلامية والثقافية، تستطيع المرأة أن تؤدي فيها دورها، فكان للسيدة زينب “ع” دور أساسي في حفظ العقيدة الإسلامية ومفاهيمها والرد على الحرب النفسية التي شنّها الطغاة.
في هذا السياق يقول السيد بشير مرتضى: “كانت السيدة زينب عليها السلام هذا النموذج الرائع والمثال والصوت المتميز والشخصية التي ملأت التاريخ بعطائها واخلاقها وبطولاتها وبيانها وبلاغتها لافتا الى انها لعبت دورا متقدما في معركة كربلاء وما بعدها في مسيرة السبي لنسوة اهل البيت، ليطلق عليها “بطلة كربلاء”، وهي صوت كربلاء التي خلدت هذه الفكرة وبينت هوية الحسين “ع” وظلم الظالمين لتكن نموذجا يحتذى به في الجهاد والتضحية والمواقف والبيان والافتخار.
ويؤكد السيد مرتضى ان السيدة زينب هي الامتداد لأمها الزهراء عليها السلام، تلك الصديقة التي ملأت الخافقين بفضائلها وعطائها وحبها ومواقفها الخالدة، ووالدها هو علي ابن ابي طالب هذا الإمام العظيم رمز العدالة الانسانية والفروسية والشجاعة والنبل، فكانت العالمة والعارفة بمجريات الأمور وما يحاك وما يدور في البلاد، وتعرف تماما خصائص ثورة كربلاء واهدافها وابعادها والظروف السياسية والنفسية والاجتماعية، وكأخيها الإمام الحسين “ع” خلّدت للتاريخ مواقف رفيعة سامية تأبى النسيان في مقالاتها وخطبها وعطائها، لذلك تنشدُّ إليها الانسانية بعدما كانت الوفية لرسالة الإسلام والنبوة والإمامة.
السيدة زينب ينبوع متدفق بحاجة لنغترف منه
ويشدد السيد مرتضى ان السيدة زينب هي واحدة من اللواتي لعبن الدور الكبير المتميز في وصل ماضي الأمة بحاضرها وعلى مر الأجيال، مؤكدا انها كانت الصلة التي قدمت في عاشوراء وكربلاء وما بعدها لغة اسلامية وانسانية يلجأ اليها الجميع، وعلّمت المرأة كيف تكون مجاهدة وصابرة لتؤدي دوراً متقدما.
اذا ان زينب الحوراء لم تؤدِّ دوراً بسيطا أو هامشيا بل انها عملت على بيان اهداف ثورة كربلاء في كشف الظالمين وفضحهم فكانت الصرخة الواضحة في وجههم وهي التي خلدت في الوجود والحياة هذا اللون من البطولة والعزة والكرامة لأنها لعبت دورا مفصليا في لحظة حاسمة من لحظات التاريخ، فقالت كلماتها الحاسمة ووقفت مواقفها البطولية، حيث نجد اننا بحاجة لنغترف من هذا الينبوع المتدفق على الدوام الذي حولته الى نهر دفّاق في الحياة يتغذى منه الناس على الدوام فكبرت عن المصائب والبلايا بل حولتها الى لون آخر تحرك في خط الرسالة الاسلامية وفي حفظ الإمامة لصيانة هذا الدين ومقارعة الباطل والباطلين.
ملاك المغربي