شفقنا العراق-يقول تعالى: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ * الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ * وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ).
الذِّكْرُ هو الشرف والمنزلة العالية الرفيعة وفي التنزيل: وإِنه لَذِكْرٌ لك ولقومك؛ أَي أن القرآن شرف لك ولهم. وقوله تعالى: ورَفَعْنَا لك ذِكْرَكَ؛ أَي شَرَفَكَ.
الذكر تكامل الشرف ووعي الناس بالمكانة العالية الرفيعة التي حظي بها (المذكور) دوماً، لبطولته ومآثره وما قدمه من أفضال وأمجاد وعكسه أن يأسف الإنسان على أصل وجوده ويندم على أدواره البائسة التي قام بها في حياته المنحطة حين لا ينفع الندم!
الذكر والنسيان أن يموت الإنسان وهو حي فلا يذكر وإذا ذكر فهو المنحط الوضيع سيء الذكر وما أكثر هؤلاء ممن يشربون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم.
يوم القيامة يوم يعض الظالم على يديه (يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَابًا) ويتمنى لو كان وجوده عدم وكان نسيا منسيا).
ولئلا يعلل الضالون المضلون انفسهم بأماني الإفلات من العذاب الأخروي المهين نرى كيف يعذبهم الله خزيا كل عام يوم عاشوراء يوم إحياء ذكرى استشهاد الإمام الحسين عليه السلام ونرى حجم صراخهم من ألم الخزي والعار (لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ).
نراهم يصرخون من الخزي والعار وكأن دماء الحسين تقطر من بين لحاهم العفنة وأياديهم التي لم تكسب إلا إثما ولا هم لهم إلا نفي التهمة عن أنفسهم وعن أجدادهم أبناء حرب وهند آكلة الأكباد وسائر أصحاب الرايات.
عندما يتمعن المرء في الإحياء الحسيني العاشورائي السنوي يرى بوضوح مصداق وعد الله لرسوله الأكرم صلى الله عليه وآله (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) فالمذكور على الدوام رفيع الشان هو الإمام الحسين ابن رسول الله ابن علي وفاطمة عليهم السلام.
رفعة الذات وسموها عن الدنايا وتصديها لحمل لواء الحق والشرف الرفيع الأصيل الذي ورثه الإمام الحسين كابرا عن كابر وانتقل إلى روحه السامية من اصلاب الأنبياء، تكاملت برفع الذكر والسمو اكتسابا، بنيل الشهادة وهو القائل قولته الفاصلة (ألا إن الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة، وهيهات منا الذلة يأبى اللّه ذلك ورسوله وجدود طابت وحجور طهرت وأنوف حمية ونفوس أبية أن نؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام)، في مواجهة أوباش الأمة ورعاعها مذكرا إياهم بخسة أصلهم ووضاعة منبتهم العفن من يومها وحتى الآن (الخذل فيكم معروف نبتت عليه عروقكم وتوارثته أصولكم وفروعكم وثبتت عليه قلوبكم وغشيت به صدوركم فكنتم أخبث شىء سنخا للناصب وأكلة للغاصب، ألا لعنة اللّه على الناكثين الذين ينقضون الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلا فأنتم واللّه هم).
محمد وآل محمد سادة الأمة والبشرية بأسرها ونجوم الهداية الذين يهتدى بهم في الظلماء الذين جاءوا من (بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ)، في مقابل تحالف القاذورات والنجاسات الذين (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ).
مهلا يا نفايات، فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون.
دكتور أحمد راسم النفيس