شفقنا العراق-أثار تعديل موازنة 2025 جدلاً واسعاً بين نواب الوسط والجنوب الذين وصفوه بـ”الظالم” لحقوقهم، بينما اعتبره إقليم كردستان خطوة إيجابية لتحقيق استقرار اقتصادي وتعزيز العلاقة مع بغداد، وسط اتهامات باستنزاف ميزانية المركز لصالح الإقليم.
اذ شكا نواب من محافظات الوسط والجنوب ما أسموه بـ”الحيف والظلم”، الذي تضمنه التصويت على تعديل قانون موازنة 2025،
وفيما لفتوا إلى أن هذا التعديل يراعي مصلحة الإقليم، أشاروا إلى أنه أبخس حقوق المحافظات الأخرى، في وقت وصف قيادي في الديمقراطي الكردستاني، التعديل، بالخطوة التي تعزز استقرار العلاقة بين بغداد وأربيل.
ويقول عضو اللجنة المالية النيابية معين الكاظمي، إن “تمرير تعديل موازنة 2025 يختلف عن الموازنات في الفترات السابقة، لأن هذه الموازنة تأتي ضمن موازنة ثلاثية تحتاج للمصادقة على الجداول في كل سنة، وليس الخوض بقراءة كاملة لتفاصيلها كما في الموازنات قبل 2023”.
وعن جلسة التصويت، يوضح الكاظمي، أن “الجلسة بدأت بنصاب كامل، وتم الشروع بالتصويت على تعديل جداول الموازنة، ابتداء بالمادة (12 ثانيا ج) الخاصة بكلف استخراج النفط من إقليم كردستان”،
موضحا أن “التعديل الذي حصل في هذه المادة هو تغيير أجور استخراج النفط في الإقليم من 6 إلى 16 دولارا، وذلك من أجل إعادة التصدير المتوقف منذ أشهر طويلة وأثر على إيرادات البلد”.
ويضيف أن “هذا التعديل يضمن هذه الأجور لعام 2025 فقط، ولا يسمح للإقليم بالتصدير إلا بالعودة للحكومة الاتحادية، فشركة سومو هي المسؤولة عن تصدير النفط”.
تشريع قانون النفط والغاز
لافتا إلى أن “السلطة الاتحادية هي من تمتلك الكلمة الفصل بأي نقاط مالية أو مستحقات، ولذلك ما تم تعديله في الموازنة هو ضمان لسير الأمور والاتفاقات بشكلها القانوني لحين تشريع قانون النفط والغاز في مجلس النواب الذي سيحل جميع الإشكاليات”.
وصوت مجلس النواب، أمس الأحد، خلال جلسته الرابعة للفصل التشريعي الأول للسنة التشريعية الرابعة برئاسة النائب الأول لرئيس المجلس، محسن المندلاوي، بحضور 176 نائباً، على مشروع قانون التعديل الأول لقانون الموازنة العامة الاتحادية، جاء ذلك وسط مقاطعة 50 نائبا من نواب الوسط والجنوب أغلبهم من المستقلين.
وتتضمن مسودة تعديل المادة 12 من قانون الموازنة فقرتين، الأولى تتعلق بكلف إنتاج ونقل نفط إقليم كردستان بعد تحديد الكلف التخمينية الحقيقية عبر الهيئة الاستشارية، أما الفقرة الثانية، فتنص على أنه في حال عدم اتفاق الحكومتين الاتحادية والإقليم على كلف الإنتاج والنقل، فإن وزارة النفط تتولى اختيار جهة لتحديد تلك الكلف وعلى إثر ذلك يتم احتساب كلفة استخراج النفط من الحقول النفطية في الإقليم.
يشار إلى أن تعديلات الموازنة الاتحادية أثارت استياء نواب الوسط والجنوب، خاصة بعد منح امتيازات كبيرة لمحافظات إقليم كردستان، ورفع سعر برميل النفط المخصص للإقليم، وهو ما اعتُبر استنزافاً لميزانية الحكومة الاتحادية على حساب بقية المحافظات.
نائب: تعديل موازنة 2025 ظلم المحافظات ولم يراع إلا مصلحة كردستان
من جهته، يعتبر النائب المستقل حسين السعبري، أن “تمرير تعديل موازنة 2025 يحمل ظلما كبيرا للمحافظات التي ولم يراع سوى مصلحة إقليم كردستان وحكومته”.
ويجد السعبري، أن “التعديل الذي مرره مجلس النواب بفضل السطوة السياسية فيه حيف كبير لمحافظات الوسط والجنوب رغم المطالبات الكثيرة التي تم رفعها لوضع التعديلات بدقة كبيرة للمادة 12 الخاصة بتصدير نفط الإقليم والمادة 14 التي تخص الشرائح المشمولة بالتعيين”.
ويتابع النائب أن “مجلس النواب والحكومة والكتل السياسية التي ساهمت بهذا التعديل المجحف للموازنة كبدوا الموازنة وخزينة الدولة خسارة أكثر من 7 مليارات ونصف المليار دينار عراقي، كان يجب ضمانها للاستفادة منها وليس التفريط بها”.
كما أكد إمكانية “الطعن بالجلسة من قبل نواب وكتل سياسية عبروا عن رفضهم لتفاصيلها ولم يصوتوا للتعديلات”.
وكانت جبهة نواب الوسط والجنوب، التي ينتمي لها السعبري، أعلنت اليوم الاثنين، التوجه صوب المحكمة الاتحادية للطعن بجلسة تمرير الموازنة فيما أكدت رفضها لطريقة الإدارة غير المسؤولة لجلسات البرلمان.
ونص تعديل الموازنة على إلغاء نص الفقرة (ج) من البند (ثانياً) من المادة (12) من قانون الموازنة الحالية، واستبداله بنص جديد يتضمن تخصيص تعويضات مالية لحكومة إقليم كردستان عن كلف الإنتاج والنقل المتعلقة بالنفط المنتج في الإقليم.
ويتم احتساب هذه الكلف من قبل جهة استشارية فنية دولية متخصصة، يتم تحديدها بالتعاون بين وزارة النفط الاتحادية ووزارة الثروات الطبيعية في الإقليم. وتدفع وزارة المالية الاتحادية تعويضات تقدر بمعدل 16 دولارا للبرميل الواحد كسلف، مع تسويتها لاحقا بناءً على الكلفة الحقيقية المقررة من الجهة الاستشارية.
إلى ذلك، يصف عضو مجلس النواب محمد الخفاجي، تمرير تعديل موازنة 2025 بأنها “قفز من قبل الحكومة على جميع مصالح المحافظات ومشاريعها ومستحقات المقاولين والوعود التي تطلق لها منذ سنوات”.
تمرير تعديل الموازنة من دون الجداول
ويؤكد الخفاجي، أن “جداول الموازنة لم تصل للبرلمان حتى الآن كي يتم الاطلاع عليها، وكانت في العام الماضي قد تأخرت حتى الشهر الرابع ليتم التصويت بشكل متأخر عليها بشكل حرم المحافظات من حقوقها، وهو ما حصل اليوم (أمس) بتمرير تعديل الموازنة من دون الجداول”.
ويضيف، أن “المادة 12 سيئة الصيت منحت مبلغ 16 دولارا لكل برميل، من أصل 400 ألف برميل يتم استخراجها من الإقليم، حيث سيتم الدفع بشكل أولي ثم العودة للتسوية وفقا لما تقرره الشركة الاستشارية التي قد ترفع السعر إلى 32 دولارا كتكلفة للبرميل الواحد”،
مؤكدا أن “هذا التعديل مستهجن وغريب ومرفوض ويجب الوقوف عنده لأنه غير مبرر بوجود مستحقات للمركز في ذمة الإقليم لم يتم التطرق لها أو دفعها”.
وأثارت تعديلات الموازنة الاتحادية للعام الحالي لغطاً كبيراً داخل الاروقة السياسية حيث القى بعض النواب اللائمة على الحكومة في رفع سقوف الانفاق بينما ردت الأخيرة وبأكثر من مناسبة بان المسؤولية يتحملها البرلمان لإجرائه تغييرات في بنود الموازنة والتلاعب بجداولها المرسلة الى البرلمان.
وجاء الخلاف بين بغداد وأربيل عندما تم تمرير مقترح جديد غير الذي أقرته اللجنة المالية النيابية وتم الموافقة عليه من قبل الحكومتين، سيما المادة 12 الخاصة باستئناف تصدير نفط إقليم كردستان.
كلفة استخراج نفط إقليم كردستان
بدوره، يشخص الخبير النفطي والاقتصادي نبيل المرسومي، أن هناك “نقاطا خلافية أكثر عمقا في كلفة استخراج نفط إقليم كردستان بدت واضحة من حديث الشركات النفطية بعد ترحيبها برفع تسعيرة الاستخراج وتمريرها في البرلمان”.
ويؤكد المرسومي، أن “الإقليم ربما سيحقق فائدة أكبر من هذه التي صادق عليها البرلمان”، وفيما يشير إلى أن “التصويت على تعديل قانون الموازنة ربما يرفع حصة إقليم كردستان مقارنة بعدم حصول الحكومة الاتحادية على وارداته النفطية، يلفت إلى أن “هناك نقطتين كان يجب حلهما قبل تمرير التعديل، الأولى تتعلق بوجود مبالغ أجور متراكمة للشركات الأجنبية نتيجة لتطبيقها عقود المشاركة من طريق استثماراتها في حقول إقليم كردستان، وهي أجور تقدر بنحو 24 مليار دولار بذمة الإقليم للشركات”.
أما النقطة الثانية، يرى المرسومي أنها “تتعلق بمعدل الربح الذي تحصل عليه الشركات من العقود وهذا أمر لم يتم التطرق له”، مضيفا أن “الشائع هو أن شركة سومو ستقوم ببيع نفط كردستان ناقصاً كلفة الإنتاج، لكن الموضوع أكثر تعقيدا، لأن الشركات الأجنبية رحبت برفع كلفة الإنتاج لكنها تحدثت عن وجود مواضيع يجب مناقشتها”.
ويلفت الخبير إلى أن “تعديل الموازنة وَحْدَهُ لن يحل مشكلة نفط كردستان، وكان يجب أن ترافقه خطوات أخرى، كحل مسألة إدارة الحقول وبيع النفط”.
زيادة حصة الإقليم
متوقعا “زيادة حصة الإقليم من الموازنة حتى من دون إعادة ضخ النفط أو أن ترتب عليه أجور جديدة مع وجود أرقام دولية تكشف عن ذهاب 44 في المئة من عائدات النفط لحكومة الإقليم والمتبقي يذهب للشركات الأجنبية، وهذا سيجعل النقاط تبقى عالقة”.
وشهدت الأجواء بين بغداد واربيل خلال الأيام الماضية، توترا و”حربا بالبيانات” بين إقليم كردستان ووزارة المالية الاتحادية، بشأن الخلافات على مبالغ الرواتب حيث لا تزال رواتب شهر كانون الأول 2024 لم يتم صرفه للموظفين في كردستان حتى الان، فبينما تؤكد وزارة المالية الاتحادية انها أرسلت أموال كردستان بالكامل فيما يخص الرواتب، تنفي مالية كردستان ذلك وتقول ان الأموال التي وصلتها من بغداد اقل من المبلغ المطلوب بحوالي 800 مليار دينار، ما يمنع توزيع رواتب الشهر الأخير من العام 2024.
غير أن القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفاء محمد كريم، يشير من جهته، إلى أن “تمرير مجلس النواب لتعديل قانون موازنة 2025 خطوة جيدة لتحقيق استقرار العلاقة بين بغداد واربيل وحل الخلافات المتراكمة”.
ويضيف كريم، أن “تعديل الموازنة سيخفف من حدة الأزمة الاقتصادية في إقليم كردستان التي يعاني منها السكان بمختلف شرائحهم حيث يتظاهرون منذ أشهر طويلة ويطالبون بدفع مستحقاتهم المتأخرة لعدم وجود موارد لدى الإقليم منذ إيقاف تصدير النفط عبر جيهان التركي”.
استئناف التصدير
مؤكدا أن “التعديل يعتبر من الحلول المنصفة بالنظر لوجود أجور متراكمة للشركات النفطية الأجنبية يجب دفعها كي يتم استئناف التصدير”.
ويؤكد أن “قيام الكتل السياسية بالنظر بواقعية للازمة الحاصلة حول التعديل منذ مدّة، أدى لإيجاد حلول منطقية لعبور هذه المدّة الصعبة وعدم توسع الشرخ السياسي خاصة بوجود تفاهمات بين حكومتي المركز والإقليم أنتجتها الزيارات المتبادلة وفهم المصالح المشتركة والتفاهم عبر الحوارات لحل الملفات العالقة”.
كما رد بشكل مختصر، على تصريحات نواب الوسط والجنوب حول الموازنة، وتأكيدهم أنها تصب بمصلحة الإقليم فقط، بـ”هؤلاء النواب يسعون لتخريب العلاقة بين المركز والإقليم”.