شفقنا العراق-النساء الخارجات من السجن يواجهن صعوبات نفسية واجتماعية بسبب وصمة المجتمع، لكن برامج الدعم النفسي، وتمكينهن مهنياً، وتغيير النظرة السلبية يمكن أن تفتح لهن أبواب الاستقرار. التشريعات والرعاية اللاحقة تؤدّي دوراً محورياً في ضمان دمجهن وبناء حياة جديدة بكرامة.
وتؤثر تجربة الخروج من الحبس في وضع المرأة الصحي والنفسي حتى الاجتماعي والثقافي، نتيجة لصعوبة تسامح المجتمع معها، فتكون عرضة للنقد والرفض والنبذ، كما يذهب المستشار الوطني للصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور عدنان ياسين محمد.
ويشير المستشار الوطني إلى أن من تأثيرات هذا الموضوع في الحالة النفسية للمرأة، هو انخفاض كبير في ثقتها بنفسها والشعور بالإحباط والرفض، وعلى هذا تراجع تقديرها لقدراتها وذاتها، وكذلك لشخصيتها، أما النقطة الأخرى فهي الإصابة بالاكتئاب والقلق الشديد والخوف والرهاب من المستقبل، ومن إمكانية إعادة حياتها وثقتها، وكذلك قد تصاب بالعزلة الاجتماعية فتجد صعوبة في استعادة علاقاتها السابقة أو بناء صداقات جديدة نتيجة النظرة السلبية.
دعم المرأة
ولكن.. كيف يتم دعم المرأة في هذه الحالة؟
وفقاً للمستشار الوطني للصحة النفسية في الوزارة، فإنه بعد العمل على توعية المجتمع لتغيير النظرة السلبية عبر حملات التوعية تكون هناك أهمية في العمل على المستوى الشخصي لهذه المرأة في بناء القدرات والدعم النفسي وتقديم العلاج بواسطة أطباء ومعالجين نفسيين لمساعدة المرأة على معالجة الأثر النفسي من تجربة السجن وتداعياتها.
ويفقد الكثير من اللواتي دخلن الحبس أعمالهن أو وظائفهن، وتتردى أوضاعهن المادية بعد الخروج من هذه التجربة، لهذا من المهم التركيز على أصحاب الشركات والأعمال الاستثمارية والتجارية وإقناعهم بتوظيف هذه الشريحة من النساء لتمكينهن من بناء حياة جديدة والعيش بشرف وكرامة.
لكن الأمر الأساسي الذي يراه الدكتور عدنان ياسين محمد هنا، هو في أسرة هذه المرأة بواسطة تشجيع أفرادها على دعمها عاطفياً وتوفير بيئة آمنة لها لتشعر بالانتماء من جديد.
من المهم جداً، حسب اعتقاده، أن يتم تغيير السياسات المعنية بهذا الأمر كافة، والعمل على تعديل التشريعات القانونية التي تعزز العدالة، أي مفهوم التصالح بدلاً من وصم الأشخاص بعار طويل الأمد قد لا يكون موازياً للفعل المرتكب، وهذا يتطلب تعاوناً كبيراً بين المجتمع وكذلك بين المؤسسات الحقوقية والجهات الحكومية لكي يتم دمج النساء اللواتي خرجن من السجن بشكل سليم، وبعيداً عن الوصمة والتمييز عن بقية أفراد هذا المجتمع.
الرعاية اللاحقة
ومن منطلق “ليس كل من دخل السجن بالضرورة يكون مجرماً” تدخل أسماء نزيلات السجون بعد الإفراج عنهن في سجلات خاصة بالرعاية اللاحقة في الشرطة المجتمعية، كي يتمكن أفراد هذا التشكيل من عمل زيارات خاصة لأماكن سكناهن والاطّلاع على حياتهن وما يتعرضن له، غاية في مساعدتهن وتقديم الدعم اللازم لهن، كما يقول العميد في وزارة الداخلية نبراس محمد علي.
وقد التزمت التشريعات العراقية بقواعد الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها المرقم (70/175والمؤرخ في 17/كانون الأول/2015) وضمنت في الفقرة العاشرة من المادة الأولى من قانون إصلاح النزلاء والمودعين رقم 14 لسنة 2018، والذي ينص على (رعاية المودع أو النزيل بعد انتهاء مدة حكمه بما يضمن اندماجه في المجتمع وعدم عودته إلى الجنوح، ويعد الإجراء المكمل لتأهيل المؤسسة العقابية والوسيلة العملية لتوجيه وإرشاد ومساعدة المفرج عنه على سد احتياجاته ومعاونته على الاستقرار في حياته والاندماج والتكيف مع مجتمعه عند عودة المحكوم عليه إلى المجتمع الخارجي الذي غاب عنه نتيجة للفترة الزمنية التي أمضاها في السجن، ويترتب على رعاية المفرج عنهم رعاية إنسانية واجتماعية أهمية كبيرة في نجاح التأهيل الاجتماعي واستمراره وتحقيق أهداف السياسة العقابية الحديثة ضماناً لحماية المجتمع من مخاطر عودة المجرم إلى الجريمة ثانية).
ويرى العميد نبراس أن هناك طريقة أخرى تتبعها الوزارة لدعم النزيلات بعد خروجهن من السجون وهي تصدير الحالات الإيجابية ومساندتها كقدوة وإبراز نجاحاتهن، لأن هدفنا بالأساس هو البناء المجتمعي تأهيلاً للجيل القادم.
ولكن أمل لا تزال تنتظر كما غيرها من اللواتي خرجن من الحبس ذات يوم أن تعود حياتهن كما كانت طبيعية ومستقرة، فبينما يثبت القانون براءتهن والإفراج عنهن، ينتابهن الخوف والقلق من المستقبل لعدم قدرة هذا المجتمع على أن يبدل نظرة أفراده تجاه هذه التجربة.