شفقنا العراق-في السنة الرابعة للهجرة، في الخامس من شعبان، أو لثلاث، أو لأربع، خلون منه، كانت ولادة الإمام الحسين بن علي «عليهما السلام» في المدينة المنورة 1.
وقيل: ولد في آخر شهر ربيع الأول، سنة ثلاث من الهجرة 2.
وقال قتادة: إنه «عليه السلام» ولد بعد أخيه الحسن بسنة وعشرة أشهر، لخمس سنين وستة أشهر من التاريخ 3.
كما قال الجزري تفريعاً على قول قتادة: فولدته لست سنين، وخمسة أشهر ونصف 4.
وقال الدولابي: ولد لأربع سنين وستة أشهر من الهجرة 5.
وقيل: ولد سنة سبع، وليس بشيء 6.
ومن جهة أخرى ؛ فقد قيل: لم يكن بينه وبين أخيه إلا الحمل، والحمل ستة أشهر 7.
وزاد في بعض الروايات قوله: وعشراً 8.
وقيل: كان أصغر من الحسن بسنة 9.
وقول آخر: يفيد أنه كان بين ولادة الحسن وولادة الحسين عشرة أشهر وعشرون يوماً 10.
وفي رواية أخرى: أنها حملت به بعد وضعها الحسن «عليه السلام» بخمسين يوماً 11.
وفي نص آخر: لم يكن بينهما إلا طهر واحد 12.
وقال ابن قتيبة: «حملت به بعد أن وضعت الحسن بشهر واحد واثنين وعشرين يوماً، وأرضعته وهي حامل ثم أرضعتهما جميعاً» 13.
ومن الواضح أنه لا منافاة بين النصوص الأربعة الأخيرة على تقدير كون الحمل به تسعة أشهر، ولكن العسقلاني يقول: «قلت: فإذا كان الحسن ولد في رمضان، وولد الحسين في شعبان، احتمل أن يكون ولدته لتسعة أشهر، ولم تطهر من النفاس إلا بعد شهرين» 6.
في كلامه بعض المناقشة
- أولاً: إنه مبني على ما يذهبون إليه، من أن النفاس يمكن أن يكون أربعين يوماً، ويكون شهرين وأكثر وأقل وغير ذلك.
أما على ما هو الثابت من مذهب أهل البيت «عليهم السلام»، ويؤيده الواقع، من أن أكثر النفاس عشرة أيام ولا حد لأقله، فلا معنى لاستمرار نفاسها إلى شهرين.
- ثانياً: إنه حتى على ما ذكره ؛ فإن نفاسها يكون خمسين يوماً، إذا كان حملها قد استمر تسعة أشهر، إلا أن يكون كلامه تقريبياً، ولا تحديد فيه.
- ثالثاً: قد ورد في الروايات: أنها «صلوات الله وسلامه عليها» لم تر الدم حين الولادة أصلا ً 14.
الحلق، والعقيقة، والتسمية
«ولما ولد «عليه السلام»، أخبر النبي «صلى الله عليه وآله» به، فجاءه، وأخذه، وأذن في أذنه اليمنى، وأقام في أذنه اليسرى، واستبشر به «صلى الله عليه وآله»، وسماه «حسيناً» وعق عنه كبشاً، وفي رواية كبشين، وقال لأمه: احلقي رأسه، وتصدقي بوزنه فضة، وافعلي به كما فعلت بأخيه الحسن».
وزاد البعض: وأعطى القابلة رجل العقيقة، وختنه يوم السابع من ولادته.
وزاد آخرون: أنه «صلى الله عليه وآله» حنكه بريقه، وتفل في فمه، ودعا له، وسماه حسيناً، يوم السابع 15.
وعن عمران بن سليمان، قال: الحسن والحسين من أسماء أهل الجنة، لم يكونا في الجاهلية 16.
لا منافاة بين الروايات
وفي حين نجد بعض الروايات تقول: إن فاطمة «عليها السلام» قد عقت عن الحسنين «عليهما السلام» 17.
فإننا نجد الروايات المتضافرة الأخرى تفيد: أنه «صلى الله عليه وآله» هو الذي عق عنهما «عليهما السلام» 18.
كما أن بعض الروايات تفيد: أن فاطمة «عليها السلام» هي التي حلقت رأسيهما يوم سابعهما، وتصدقت بوزن شعرهما فضة 19.
بينما غيرها يقول: إن النبي «صلى الله عليه وآله» نفسه هو الذي تولى ذلك منهما 20.
ولعله لا منافاة بين جميع ما ذكر، إذ إن الرسول «صلى الله عليه وآله» أمرها بذلك، حسبما صرحت به الروايات، فهي «عليها السلام» قد تولت أمر العقيقة والحلق، والنبي «صلى الله عليه وآله» يكون هو الذي اشترى العقيقة، ودفع الفضة التي تصدقت بها «عليها السلام».
ويمكن أن يكون «صلى الله عليه وآله» قد شارك الصديقة الطاهرة «عليها السلام» في ذبح الكباش وتوزيعها، كما وشاركها في أمر الحلق أيضاً، فصح نسبة الفعل إليه «صلى الله عليه وآله» تارة، وإليها «صلوات الله وسلامه عليها» أخرى 21 والله العالم.
اليافعي وثقافته الواسعة
قال اليافعي: «في رمضان منها (أي سنة ثلاث) ولد الحسن رضوان الله عليه.
قلت: ولم أرهم ذكروا تاريخ ولادة أخيه الحسين رضي الله تعالى عنه، والذي يقتضيه ما ذكروا من تاريخ مدة عمرهما، وزمان وفاتهما: أن يكون ولادة الحسين في السنة الخامسة، والله تعالى أعلم.
ثم وقفت على كلام للإمام القرطبي المالكي يذكر فيه: أنه ولد في شهر شعبان في السنة الرابعة.
فعلى هذا ولد الحسين قبل تمام السنة من ولادة الحسن، ومثل هذا غريب في العادة، نادر الوقوع.
ويؤيد هذا ما وقفت عليه بعد ذلك، ومن نقل الواحدي: أن فاطمة رضي الله تعالى عنها علقت بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة والله أعلم» 22.
وإنما ذكرنا كلام اليافعي ـ وهو من أعلام القرن الثامن الهجري ويعبر عنه بـ «الإمام» ـ بطوله، ليقف القارئ على سعة اطلاع هذا الرجل، ومعرفته بتاريخ حفيد رسول الله «صلى الله عليه وآله»، وأحد سبطيه، وسيد شباب أهل الجنة «صلوات الله وسلامه عليه»، مع أنه هو نفسه يذكر تواريخ دقيقة لكثير من الناس الذين لا شأن ولا منزلة لهم إلا من خلال مواقفهم وعداواتهم لأهل البيت «عليهم السلام».
حملته أمه كرهاً
وجاء في رواية عن أبي عبد الله «عليه السلام»: أنه لما أعلم جبرئيل النبي «صلى الله عليه وآله» بأن أمته ستقتل الحسين «عليه السـلام» ـ وذلك قبل أن يولد «عليه السلام» ـ كرهت فاطمة «عليها السلام» حمله.
وحينما وضعته كرهت وضعه، لأنها علمت أنه سيقتل وفيه نزلت: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا … ﴾ 23.
وزاد في المناقب: ولم يولد مولود لستة أشهر عاش غير عيسى والحسين.
وفي نصوص أخرى: أنها «عليها السلام» رضيت لما أخبرها بأن الإمامة والولاية في ذريته 24.
وأقول لا أستطيع أن أؤكد صحة هذا الخبر، ما دمت أرى أنه لا يناسب فاطمة «عليها السـلام» أن تفكر بهذه الطريقة التي تصب في الاتجـاه الشخصي.
وأقول: إن فاطمة ترضى ما يرضاه الله سبحانه لها، ولم تكن لتكره عطيته سبحانه، ولا سيما إذا كانت هذه العطية هي الحسين «عليه السلام» سيد شباب أهل الجنة.
كما أنني أريد أن أحتمل هنا: أن المقصود أيضاً هو التقليل من كرامة الحسين «عليه السلام» نفسه، حتى إن أقرب الناس إليه وهو أمه لم ترض بحمله، ولا بوضعه، وكان وجوده ثقيلاً عليها.
ويمكن أن يناقش في هذه الرواية بأن الآية قد وردت في سورة الأحقاف، وهي مكية 25، والحسين «عليه السلام» إنما ولد في المدينة.
وقد يمكن دفع ذلك بأمرين
- الأول: بما ورد في بعض الروايات من أنه «صلى الله عليه وآله» كان إذا نزلت آية يقول لهم ضعوها في المكان الفلاني 26 ويمكن أن تكون هذه الآية نزلت في المدينة، ووضعها الرسول «صلى الله عليه وآله» في سورة مكية، تقدم نزولها، وقد ورد الاستثناء لهذه الآية بخصوصها فراجع المصاحف المطبوعة.
- الثاني: إنه يمكن أن يكون قد تكرر نزول هذه الآية بهذه المناسبة، ولذلك نظائر كثيرة 27 فلا إشكال.
رواية أسماء
وأما بالنسبة لرواية أسماء بنت عميس لما جرى حين ولادته وأخيه الحسن «عليهما السلام» وحكم بعض المحققين عليها بأنها غير مستقيمة.
فقد تقدم في المجلد السادس: أن سبب ذلك هو الاشتباه في قراءة كلماتها.
وإن كان في بعض نصوصها شيء من التهافت الناشئ من خلط الرواة بين بنت عميس وغيرها 28.
ملخص الرواية حسبما جاء في روضة الواعظين
قالت أسماء بنت عميس: قبلت فاطمة بالحسن والحسين «عليهم السلام»، فلما ولد الحسن «عليه السلام» جاء النبي «صلى الله عليه وآله»، فقال: يا أسماء (أي وهي غير بنت عميس) هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة صفراء، فرمى بها النبي «صلى الله عليه وآله» وقال: يا أسماء، ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء ؟ فلفته في خرقة بيضاء، ودفعته إليه، فأذن في أذنه اليمنى.
ثم تذكر الرواية تسمية النبي «صلى الله عليه وآله» له، وحلقه رأسه، وتصدقه بزنته ورقاً، وعقه عنه، وطلي رأسه بالخلوق، ثم قال: يا أسماء الدم فعل الجاهلية.
«ولعله لأنهم كانوا في الجاهلية يطلون رأس المولود بالدم، فغيَّر «صلى الله عليه وآله» هذه السنة السيئة».
فلما ولد الحسين، جاء «صلى الله عليه وآله» وقال: يا أسماء «أي وهي غير بنت عميس» هاتي ابني، فدفعته إليه في خرقة بيضاء، فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى، ووضعه في حجره، وبكى، فقالت أسماء: قلت فداك أبي وأمي مم بكاؤك ؟
فقال: على ابني هذا.
قلت: إنه ولد الساعة.
قال: يا أسماء، تقتله الفئة الباغية إلى آخر الرواية 29.
فأسماء بنت عميس فيها تروي عن أسماء أخرى، ولعلها بنت يزيد الأنصارية.
ما نقل عن الإمام السجاد حول ولادة الإمام الحسين
أما ما روي عن السجاد «عليه السلام»، من أنه قال: لما حان وقت ولادة فاطمة بعث إليها رسول الله «صلى الله عليه وآله» أسماء بنت عميس وأم أيمن، حتى قرأتا ؟ عليها آية الكرسي والمعوذتين 30.
فهو أيضاً موضع إشكال، لأن بنت عميس كانت مع زوجها جعفر بن أبي طالب في الحبشة، ولم تقدم إلى المدينة إلا عام خيبر.
والظاهر ـ أيضاً: أن كلمة «بنت عميس» مقحمة في هذه الرواية من قبل الرواة أو المؤلفين جرياً على عادتهم وما هو المألوف عندهم، وتكون أسماء هي واحدة أخرى من النساء الصحابيات، بنت يزيد، أو غيرها.
ومما يدل على هذا الإقحام: أننا نجد الدياربكري، راوي الرواية السابقة عن علي بن الحسين «عليه السلام» يروي رواية أخرى عن المحب الطبري، فيقحم فيها من عند نفسه كلمة «بنت عميس».
فيقول: «عن أسماء بنت عميس، قالت: قبلت فاطمة بالحسن ؛ فلم أر لها دماً ؛ فقلت: يا رسول الله إني لم أر لفاطمة دماً في حيض ولا نفاس ؟! فقال «صلى الله عليه وآله»: «أما علمت أن ابنتي طاهرة مطهرة، لا يرى لها دم في طمث، ولا ولادة أخرجه الإمام علي بن موسى الرضا» 29.
فراجعت ذخائر العقبى ص44 فرأيت الرواية نفسها، ولكنها عن أسماء من دون ذكر لعبارة «بنت عميس» فيها.
وهذه هي الرواية الصحيحة، لأن بنت عميس كانت حين ولادة الإمام الحسن «عليه السلام» في الحبشة، لا في المدينة حسبما ألمحنا إليه آنفاً.
وثمة روايات أخرى عن أسماء بنت عميس 31، والكلام فيها هو الكلام.
أي أننا نحتمل أن يكون لفظ: «بنت عميس» من إقحام الرواة، انطلاقاً مما هو مرتكز في أذهانهم، دون أن يلتفتوا إلى المفارقة المذكورة.
التشريف والتكريم
هذا وقد روي عن أبي جعفر «عليه السلام»، قال: لما عرج برسول الله «صلى الله عليه وآله»، نزل بالصلاة عشر ركعات: ركعتين، ركعتين، فلما ولد الحسن والحسين، زاد رسول الله سبع ركعات شكراً لله ؛ فأجاز الله ذلك 32.
وقال ابن شهرآشوب: «من كثرة فضلهما، ومحبة النبي إياهما: أنه جعل نوافل المغرب، وهي أربع ركعات، كل ركعتين منهما عند ولادة كل واحد منهما» 33.
هذا وقد أشرنا في المجلد الرابع من هذا الكتاب في فصل: قضايا وأحداث غير عسكرية إلى موضوع الزيادة في الصلاة فلا نعيد.
ولكننا نشير هنا: إلى أن بعض الروايات تشير إلى أن سبب زيادة الركعتين أمر آخر، وهو إرادة الحفاظ على إتيان الصلاة من قبل المكلفين بصورة معقولة.
وقيل: غير ذلك، فليراجع كتاب الوسائل ج3 باب عدد الفرائض اليومية ونوافلها وجملة من أحكامها.
ولا مانع من كون الداعي إلى ذلك هو كلا الأمرين، كما أن رواية ابن شهرآشوب 34 لا تنافي الرواية التي قبلها.
كما لا تنافي سائر الروايات المبينة لسبب جعل النوافل ؛ فإن جعل النافلة عند ولادتهما تشريفاً لهما، لا ينافي أن تكون علة هذا الجعل شيئاً آخر، وذلك ظاهر.
إرضاع الحسين عليه السلام بلبن قثم لا يصح
عن أم الفضل بنت الحارث قالت: رأيت فيما يرى النائم: أن عضواً من أعضاء النبي «صلى الله عليه وآله» في بيتي، فقصصتها على النبي «صلى الله عليه وآله»، فقال: خيراً رأيت، تلد فاطمة غلاماً، فترضعيه بلبن قثم، فولدت فاطمة غلاماً، فسماه حسيناً، فدفعه إلى أم الفضل، فكانت ترضعه بلبن قثم 35.
وفي نص آخر: لم يذكر إرضاعها له بلبن قثم، بل اكتفى بأنه «صلى الله عليه وآله» أخبرها بأنه يكون في حجرها، فكان كذلك، وتفصيل القصة يراجع في مصادرها 36.
لكننا قد قدمنا في هذا الكتاب، في فصل: شخصيات وأحداث، حينما تحدثنا عن ولادة الإمام الحسن «عليه السلام» ما يلي:
1 ـ إن العباس لم يكن قد هاجر حينئذٍ إلى المدينة، وقد كانت زوجته عنده في مكة، كما هو الظاهر.
2 ـ إننا نجد البعض ينكر أن يكون لقثم صحبة أصلاً.
وأخيراً، فيحتمل أن تكون رواية أم الفضل هذه هي نفس الرواية التي تقدمت في هذا الكتاب في آخر فصل شخصيات وأحداث.
لكن الرواة بسبب عدم نقط الكلمات وتقارب كلمتي الحسن والحسين، قد صحفوا أحدهما بالآخر.
روايات أخرى
3 ـ إنه قد ورد في بعض الروايات ـ والنص للبحراني ـ أنه: «لم يرضع الحسين «عليه السلام» من فاطمة «عليها السلام»، ولا من أنثى، كان يؤتى به النبي «صلى الله عليه وآله» فيضع إبهامه في فيه، فيمص منها ما يكفيه، اليومين، والثلاثة، فنبت لحم الحسين من لحم رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ودمه من دمه» 37.
وفي نص آخر: أنه كان يؤتى بالحسين؛ فيلقمه لسانه؛ فيمصه؛ فيجتزئ به، ولم يرتضع من أنثى 38.
وروي عن أبي عبد الله «عليه السلام»، قال: كان رسول الله «صلى الله عليه وآله» يأتي مراضع فاطمة ؛ فيتفل في أفواههم، ويقول لفاطمة: لا ترضعيهم 39.
وإن كان ربما يقال: إن هذا لا يدل على أنه لم يرضع من أخريات.
وبعد، فقد تقدم: أن الظاهر هو: أن صاحبة القضية المذكورة، وصاحبة المنام المشار إليه، ليست هي أم الفضل، وإنما هي أم أيمن 40، حسبما جاء في بعض الروايات.
وقد أشرنا إليه في جزء سابق حين الكلام حول ولادة الحسن «عليه السلام».
أوهام لأبي نعيم
عن هارون عن عبد الله قال: سمعت أبا نعيم يقول: «قتل الحسين على رأس سنة ستين، يوم السبت؛ يوم عاشوراء، وقتل وهو ابن خمس وستين، أو ست وستين».
وفي هذه الرواية وهم من جهتين؛ في القتل، والمولد.
فأما مولد الحسين فإنه كان بينه وبين أخيه الحسن طهر. وولد الحسن للنصف من شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة.
وأما الوهم في تاريخ موته، فأجمع أهل التاريخ: أنه قتل في المحرم، سنة إحدى وستين، إلا هشام ابن الكلبي، فإنه قال: سنة اثنتين وستين، وهو وهم أيضاً» 41.
ونزيد نحن في توضيح ذلك: أن معنى كلام أبي نعيم هو: أن الإمام الحسين «عليه السلام»، قد ولد قبل الهجرة بست سنين، مع أن علياً قد تزوج بالزهراء «عليهما السلام» بعد الهجرة، وولدت له الحسن «عليه السلام» في سنة ثلاث.
أضف إلى ذلك: أن أبا الفرج يقول: «إن الأصح هو: أنه «عليه السلام» قد استشهد يوم الجمعة، لا يوم السبت» 42.
ويقول عن القول بأنه استشهد يوم الإثنين: إنه: «لا أصل له، ولا حقيقة، ولا وردت فيه رواية» 43.
رواية أخرى لا تصح
قال أبو الفرج: «وروى سفيان الثوري عن جعفر بن محمد: أن الحسين بن علي قتل وله ثمان وخمسون سنة، وأن الحسن كذلك كانت سنوّه يوم مات، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلي بن الحسين، وأبو جعفر محمد بن علي» 44.
كذقال سفيان: «وقال لي جعفر بن محمد: وأنا بهذا السن في ثمان وخمسين سنة، فتوفي فيها رحمة الله عليه» 45.
قال أبو الفرج: «وهذا وهم، لأن الحسن ولد سنة ثلاث من الهجرة، وتوفي في سنة إحدى وخمسين، ولا خلاف في ذلك، وسنه على هذا ثمان وأربعون سنة، أو نحوها» 46.
ونقول:
- أولاً: قول أبي الفرج عن الإمام الحسن «عليه السلام»: إنه «توفي سنة إحدى وخمسين، ولا خلاف في ذلك» محل نظر، إذ إن كثيرين يقولون: إنه «عليه السلام» قد توفي في سنة تسع وأربعين، وقيل: في سنة خمسين، وقيل: في سنة ثمان وأربعين، وقيل: غير ذلك 47.
وبالنسبة لسن السجاد والباقر «عليهما السلام»، فهو أيضاً ليس على حسب ما جاء في الرواية، فليراجع البحار والكافي، وغير ذلك من المصادر المشار إليها في الهامش على الفقرة السابقة. - ثانياً: بالنسبة للمدة التي عاشها الإمام الصادق «عليه السلام»، فالمقل يقول: إنه «عليه السلام» قد عاش ثلاثاً وستين سنة، والأكثر على أنه عاش خمساً وستين، وقيل أكثر من ذلك 48.
اشتباهات حسابية
وهذه الاشتباهات كثيرة، نذكر منها ما يلي:
1 ـ قال المقدسي: «قتل الحسين «عليه السلام» سنة إحدى وستين من الهجرة، يوم عاشوراء، وهو يوم الجمعة، وكان قد بلغ من السن ثمانياً وخمسين سنة» 49.
وقال في موضع آخر: «قتل يوم عاشوراء سنة اثنتين وستين» 50. والتنافي بين هذين القولين ظاهر.
كما أنه بعد ذكره: أن الحسن «عليه السلام» قد توفي سنة سبع وأربعين 51 ذكر: «أن الحسين «عليه السلام» قد قتل سنة اثنتين وستين، بعد الحسن بسبع عشرة سنة» 50، مع أن ما بين سبع وأربعين واثنتين وستين هو خمس عشرة سنة لا أكثر.
خطأ في حساب عمره عليه السلام
وفي مورد آخر يذكر: أن الحسين «عليه السلام» قد ولد بعد الحسن بعشرة أشهر أي في السنة الرابعة 50، ثم يذكر: أنه استشهد سنة إحدى وستين وعمره ثمان وخمسون سنة. مع أن عمره يكون سبعاً وخمسين سنة.
إلا أن يكون قد أضاف أشهراً يسيرة على العمر الصحيح، الذي هو سبع وخمسون سنة وأشهر.
كما أنه تارة يذكر: أن الحسين «عليه السلام» قد ولد بعد الحسن «عليه السلام» بعشرة أشهر وعشرين يوماً، وأن الحسن قد ولد في السنة الثالثة.
تارة يذكر: أن الحسين «عليه السلام» قد ولد بعد الهجرة بسنتين 52.
2 ـ ويصرح ابن الوردي، وغيره: بأن الحسين «عليه السلام» قد ولد سنة أربع 53 وتوفي سنة إحدى وستين.
ولكنه يغلط بالحساب، فيقول: «والصحيح: أن عمره رضي الله عنه وعنا بهم: خمس وخمسون سنة وأشهر» 54.
3 ـ وقال الحافظ عبد العزيز: ولد في شعبان سنة أربع، وقتل يوم عاشوراء، سنة إحدى وستين، وهو ابن خمس وخمسين سنة وستة أشهر 55.
والخطأ في حساب سني عمره الشريف واضح، والصحيح: أن عمره سبع وخمسون سنة وأشهر.
4 ـ أما الشيخ المفيد «رحمه الله» تعالى، فإنه ذكر أن ولادته «عليه السلام» كانت في شعبان سنة أربع ووفاته في يوم عاشوراء سنة إحدى وستين، وعمره ثمان وخمسون سنة 56.
وقد قدمنا: أن الصواب هو أن عمره سبع وخمسون سنة وأشهر، ولعله «رحمه الله» لم يعتن بهذه الأشهر الباقية، فأطلق حكمه ذاك على سبيل التسامح 57.
بقلم السيد جعفر مرتضى العاملي-المصدر: مركز الإشعاع الإسلامي