خاص شفقنا العراق-تحت عنوان «النتيجة النهائية لـ الرئاسيات الأمريكية 2024: ارتياب، وتأجيل وأزمة» كتب الدكتور أبو الفضل فاتح سادس مقالاته التي تتناول الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
تشهد الولايات المتحدة أمريكية إحدى أكثر انتخاباتها تقاربًا. وقد عنونت أولى كتاباتي حول هذه الانتخابات بـ «مدخل إلى الرئاسيات الأمريكية؛ الانضغاط الأقصى في ظل غياب اليقين والحسمية».
حتى مع تنحي بايدن وقدوم نائبته كامالا هاريس، ومع كل ما يشهده الصراع الانتخابي من إقبال وإدبار لكلا المنافسين، فإن التقارب وغياب الحسم ما زالا سيدا الموقف.
الاستطلاعات
الاستطلاعات ما تزال تظهر تقدم هاريس بنسبة 1.5 نقطة مئوية على المستوي الوطني.
لكن ترامب يتقدم عليها في الولايات المتأرجحة التي تتمتع بـ 93 مجمعًا انتخابيًا (أربع ولايات لترامب وثلاثة لهاريس).
فإذا أخذنا بنتيجة استطلاعات الرأي وصحة النموذجات فإن ترامب هو الأقرب إلى الفوز. لكن الاستطلاعات تعاني من الضبابية وقد تكون النتيجة الفعلية للانتخابات مختلفة.
الرهانات
كذلك يجب ألا ننسى مكاتب ووكلاء المراهنات في الولايات المتحدة وفي أوروبا، كثيرة التعقيد.
وطبقًا لهذه المكاتب، فإن ترامب هو الأوفر حظًا بالفوز بإمكانية 64 في المئة.
وفي معظم الحالات كان تنبؤ مكاتب المراهنة صحيحًا. لكنها أخطأت في الانتخابات الماضية بعد أن توقعت فوز ترامب على بايدن.
التنبؤات
المؤرخ الأمريكي آلان ليشتمان مؤلف كتاب مفاتيح البيت الأبيض، تنبأ بفوز هاريس على منافسها ترامب.
ليشتمان له طريقة اسشترافية يعتمد فيها على مؤشره الشهير المكوّن من 13 بندًا، وقد صدقت تنبؤاته 9 من 10 مرات خلال الأربعين عامًا الماضية للتكهن بالفائز في الانتخابات الرئاسية.
لكن المحلل الأمريكي المخضرم نيت سيلفر الذي توقع فوز ترامب في رئاسيات 2016، أعلن الأسبوع الماضي، إن التقييمات لما يحظى به ترامب من دعم حقيقي ليست دقيقة، متوقعًا فوز ترامب في رئاسيات 2024.
الأصوات الثابتة لترامب وهاريس
بعيدًا عن التوقعات والتنبؤات المتضاربة، لا يزال أمام هاريس نحو أسبوعين لتقليل الفجوة القليلة بينها وترامب.
ولأسباب سأشرحها لاحقًا، استبعد أن ينجح ترامب في رفع أصواته، لكنه أمام فرصة لتوسيع تقدمه على هاريس إذا تراجع تأييدها في الأوساط الأمريكية القريبة من المعسكر الديمقراطي.
في ظل هذا التقارب الطاغي، ما تزال تطورات الشرق الأوسط عاملًا مهمًا في تغيير الوضع؛ علمًا إن فاصل الشهرين بين إجراء الانتخابات وبدء الرئاسة الجديدة سيكون أيضًا محفوفًا بالتطورات والتقلبات.
موطن ضعف هاريس يتمثل في سياسة الديمقراطيين الملتبسة بشأن فلسطين وغموض موقف مرشحتهم التي لم تتمكن في كسب ود المسلمين وغير البيض والتيارات اليسارية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. أما القضية الوحيدة التي أظهرت فيها وضوح موقفها فهي الإجهاض.
لم يحسم الكثيرون قرارهم في التصويت، ولا سيما الشباب الذين يستنظرون مبادرة من هاريس. وبإمكان المرشحة الديمقراطية أن ترفع نسبة المشاركة في الانتخابات إذا أظهرت مقاربة غير غامضة بشأن القضايا الداخلية والخارجية المهمة.
فالمشاركة العالية تزيد من حظوظ هاريس بخلاف ترامب الذي تفيده المشاركة المتدنية.
وخلافًا لهاريس فإن ترامب يتمتع بشفافية كافية لا تدع مجالًا للتشكيك لدى الناخبين أو معارضيه. فحظوظ ترامب الانتخابية هي نفسها التي أعلنتها الاستطلاعات ومن غير المرجح أن يحظى المرشح الجمهوري بأصوات المترددين، ولربما لن تتغير نسبة أصواته كثيرًا سوى عند مقارنتها بأصوات هاريس النهائية.
أهم أسباب التصويت لترامب وهاريس
بغض النظر عن الأنصار التقليديين للحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين يصوتون قطعًا لمرشح حزبهم، أظهر استطلاع أجرته شبكة فوكس نيوز إن سبب تصويت 45 بالمئة من أنصار ترامب له يعود إلى آرائه الاقتصاديه ومعارضته لموجات الهجرة وقيمه اليمينية.
أما على الجانب الآخر فإن 45 بالمئة من الذين يصوتون لهاريس قالوا إن سبب اختيارهم للمرشحة الديمقراطية هو سياساتها حول الإجهاض (14 بالمئة)، والديمقراطية (14 بالمئة)، ومعارضتهم لترامب (17 بالمئة).
تمثل الفئة الأخيرة من الناخبين بالإضافة إلى نسبة قليلة من المترددين الذين قد يشاركون في الانتخابات، فرصه هاريس الوحيدة لهزيمة ترامب.
إذ يكفي أن يصعد هذا العدد قليلًا ويلامس حدود العشرين فيضع المرشحة الديمقراطية في موقع الفوز؛ لا سيّما وأنها تحظى بتصويت سلبي أقل من ترامب في المجتمع الأمريكي، ما يعدّ عنصر مهم لكسب ودّ المترددين.
بالنظر إلى مسار الانتخابات الرئاسية والنسبة المتوقعة للمشاركين فيها (حولي 52 إلى 57 بالمئة) فمن المستبعد جدًا أن ينجح أحد المرشحيْن في خلق هامش كبير في نسبة الأصوات.
ومع استمرار المسار الراهن قد يفوز أحدهما في الولايات المتأرجحة باختلاف طفيف لا يتجاوز بضعة آلاف صوت.
ارتياب، تأجيل، وأزمة
هذا التقارب في الأصوات النهائية للولايات المتأرجحة سيسفر عنه ثلاث نتائج قطعية:
1-ارتياب: إن الخسارة باختلاف طفيف في الأصوات ستكون محل شك وريبة في أجواء انتخابية تنافسية استمرت عامًا كاملًا وشهدت توجيه كلا المرشحيْن اتهامات كبيرة للآخر.
فلا يستبعد أن يطعن ترامب أو أنصار هاريس بالنتيجة المعلنة للانتخابات إذا لم تكن في مصلحتهم.
2-تأجيل: التقارب الكبير في أصوات الولايات المتأرجحة ستؤخر إعلان النتيجة النهائية للرئاسيات الأمريكية.
وفي ظل ما يتردد منذ الآن من شكاوى قد تضطر بعض الولايات إلى إعادة فرز الأصوات أو حتى اللجوء إلى القضاء. وهذا المسار قد يطول أسابيع أو حتى أكثر.
3-أزمة: لقد أظهرت الرئاسية الأمريكية السابقة والهجوم على مبنى الكابيتول مدى إمكانية تعرض المجتمع الأمريكي المُستقطَب، للأزمات.
وأقل ما يمكن أن يقال الآن عن أجواء المجتمع الأمريكي أنه لم يزدد اعتدالًا إن لم يكن أكثر انقسامًا. لا سيّما أنه شهد محاولتين فاشلتين لاغتيال ترامب وأصبح اليمين المتطرف أقوى مما كان عليه، فضلًا عن ترابطه بتيار اقتصادي-إعلامي يتقدمه إيلون ماسك.
أما في الجانب الآخر فإن ترامب في رؤية الديمقراطيين شخص أقرب إلى هتلر ويستحق السجن.
وفي ظل الظروف الحالية يتعين علينا ترقب ظهور أزمة ما بعد الانتخابات واندلاع أعمال شغب في شوارع المدن الأمريكية إذا أعلن عن فوز هاريس.
أما في حال الإعلان عن فوز ترامب ستلوح في الأفق أزمة طويلة الأمد تتمثل في مواجهة ترامب وأنصاره، عدة دوائر أمريكية ودولية ورد الدين لها.
وعلى كل الأحوال فإن العالم سيكون أمام أمريكا تتأرجح بين مغامرات ترامب الهوليودية أو سياسة بايدن الخارجية المنفعلة والملتبسة.
المثقفون والمأزق الأعمق
الديمقراطية (حكم الأغلبية واحترام حقوق الأقليات) هي أكثر الطرق عقلانية لانتخاب القادة. لكن الولايات المتحدة تعاني منذ سنوات من أزمة أعمق من انعدام المرشحين ذوي الوجاهة، والمكانة، داخليًا ودوليًا.
أنْ تعجز كل الدوائر الفكرية والفلسفية وحقوق الإنسان ومراكز الفكر والأكاديميات في المساهمة بتقديم مرشحين نهائيين للرئاسيات الأمريكية وتراها مضطرة للوقوف خلف أحد مرشحيْ الحملتين العقيمتين الحاليتين والاختيار بين أمثال بايدن وهاريس وترامب مع كل فضائحه، ممن لا يتمتعوا بأي مكانة في هذه المراكز والوسط الثقافي، فإنه بلا شك لحلقة مفرغة يمكن التعبير عنها بتراجع الديمقراطية الأمريكية أو حتى غيابها عن الوعي.
هذا التراجع للديمقراطية في الولايات المتحدة بعيد كل البعد أن يرحل قريبًا منها. ثم إن غياب الحلول لضمان المشاركة القصوى للشعب الأمريكي وتداور النخب في مستوى قيادة البلد قد يؤدي إلى تراجع المشاركات الانتخابية ومأزق أعمق وأكثر اشتدادًا.
أبو الفضل فاتح- صحيفة اعتماد