خاص شفقنا-شيئا فشيئا اخذت الشكوك تدب في اوساط المتحمسين من الرافضين للانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، بعد الاجراءات غير المسبوقة وغير المألوفة التي اتخذها الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لمعاقبة منفذي الانقلاب والجهات التي تقف وراءه.
بدات هذه الشكوك تحوم حول حقيقة الانقلاب بالذات، الذي وصفه اردوغان بانه “هدية” نزلت عليه من السماء، بعد ان وعد بتنفيذ انقلاب مضاد لا على الانقلابيين بل على القضاء والاعلام والتعليم والامن والجيش، حتى بلغ ضحايا انقلاب اردوغان نحو 100 الف شخص، وهو ما يتجاوز كثيرا ضحايا الانقلاب الاول، هذا لو علمنا ان العمل جار على قدم وساق لتفعيل عقوبة الاعدام التي تم وقف العمل بها عام 2004، الامر الذي سيؤدي الى اعدام العشرات وحتى المئات من المشاركين في الانقلاب الاول والداعمين لهم والمعارضين لاردوغان.
لا يمكن وصف ما يقوم به الرئيس التركي بعد الانقلاب الفاشل، الا بالانقلاب فمن الصعب جدا ان يقنع اردوغان الراي العام العالمي ، ان كل هذا العدد الكبير من الناس متورطين في انقلاب فشل قبل ان يبدأ، وقد استشعرت قيادة حزب العدالة والتنمية “سخف” الذرائع التي تقدمها للراي العام التركي والعالمي بشأن وقوف رجل عجوز هو فتح اله غولن الموجود في امريكا وراء الانقلاب، وانه هو الذي حرك هذه الجيوش الجرارة من العسكريين والامنيين والاعلاميين والقضاة واساتذة الجامعات والمدرسين ، لذلك لم يجد عمدة أنقرة مليح غوكشيك الا ان يتهم “الجن” لمساعدته غولن ضد اردوغان!
غوكشيك هذا وفي مقابلة مع محطة “سي.إن.إن. تورك” وفي رد على سؤال حول كيفية سيطرة غولن على مثل هذا العدد الكبير من الناس وما الذي يجعله مختلفا، أجاب بأنه يستخدم “الجن لاستعباد الناس”!
ولما ادرك ان كلامه يثير الضحك استطرد قائلا: ”قد يبدو هذا أمرا مضحكا ولكنه يفعل هذا بطريقة غريبة. إنه يفعله باستخدام الجن. الجميع يمكنهم الآن مناقشة الأمر. إنه يستعبد الناس باستخدام الجن، من الواضح أنه تم استعباد الكثير من الناس في أوقات سابقة وتم إنقاذهم لاحقا. لديه القدرة على فعل ذلك أيضا. الناس يُسحرون ويتم إنقاذهم“!
هذه كانت اخر التبريرات التي تفتقت عنها عبقرية قادة حزب العدالة والتنمية لاقناع الناس، لاقناع الناس بفرض حالة الطوارىء، وما تمنحه من صلاحيات واسعة لاردوغان، ورفع الحكومة الى 30 يوما، فترة التوقيف على ذمة التحقيق، وحل اكثر من الفي مؤسسة، وصرف الموظفين المرتبطين بغولن مدى الحياة، واغلاق 1043 مؤسسة تعليمية و15 جامعة و1229 جمعية ومؤسسة و19 نقابة، وتوقيف اكثر من 12500 شخص على ذمة التحقيق، واعتقال عشرات الالاف من العسكريين والقضاة وعناصر في الشرطة فضلا عن مدنيين من اساتذة وموظفين.
يجب ان يكون الانسان الى حد رهيب من السذاجة لكي يقتنع برواية اردوغان وحزبه عما جرى يوم الانقلاب وعما جرى بعد الانقلاب، بينما الناس ليسوا بتلك السذاجة التي يتصورها اردوغان، حيث بدت حالة من الامتعاظ تطفو على سطح المشهد السياسي التركي، الذي اخذ يستشعر بوجود مؤامرة تحاك ضد ديمقراطيته، يقف وراءها اردوغان وحزبه، تبلورة على شكل انقلاب هدفه بناء تركيا وفقا لمقاييس اردوغان.
رغم اننا لا نميل كثيرا الى مواقف واراء الصديق الحميم القديم والعدو اللدود الجديد لاردوغان، فتح الله غولن الا ان تصريحاته التي ادلى بها ل”شبيغل أونلاين الألمانية” التي التقته في منزله في بنسلفانيا، كانت من اكثر التصريحات قربا لواقع تركيا وطبيعة اردوغان، عندما قال: إن “السلطة سمّمت اردوغان وهو الان يقف على حافة الجنون ..ان نهم إردوغان للسلطة لا ينتهي، فيظن أن هذه حال الجميع، فهو يتحدر من بيت فقير، بينما يعيش اليوم في القصور.. النجاح والسلطة سمّماه”.
واضاف غولن: “إن إردوغان هو من نفذ الانقلاب الفاشل على نفسه، ليمسك بالسلطة بقبضة حديدية، مبديا دهشته من فشل الانقلابيين في قلب السلطة منذ اللحظة الأولى، متمسكا بنظرية المؤامرة التي تقول إن هذا الانقلاب مسرحية إردوغانية، لكنه لا يملك دليلًا على ذلك”.
قد يرى البعض هذا كلام شخص ينافس اردوغان ولايمكن الاخذ به، الا ان مثل هذا الكلام او قريب منه قاله اوروبيون حلفاء لاردوغان ، فهذا رئيس الوزراء الايطالي ماتيو رينزى اعلن أن أنقرة تضع مستقبل تركيا في السجن، بينما كتبت صحيفة الديلي تلغراف، “ان ما يقدم عليه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان سيثير المخاوف حول الطرق الاستبدادية التي ينتهجها عقب محاولة الانقلاب الفاشلة”
واوضحت الصحيفة في افتتاحيتها التي جاءت تحت عنوان “حملة اردوغان التطهيرية تحول تركيا لدولة استبدادية”، : إن فرض اردوغان حالة الطوارئ في البلاد لمدة ثلاثة شهور وتعليق بعض التزاماتها بالمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان.. وتعرض عشرات آلاف من الأتراك إما للاعتقال أو الطرد من مناصبهم.. وكلما استمر اردوغان في سياسة القمع، فستكون هناك صعوبة في تقبله كحليف لدى الدول الغربية”.
ونقلت الصحيفة عن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري قوله: ”ان عضوية تركيا في حلف الناتو قد تعلق في حال استمر الرئيس التركي بسياسته الحالية تجاه معارضيه”.
بات واضحا ان الشعب التركي عاش خلال الايام القليلة الماضية انقلابين، الاول الذي فشل وانتهى، والثاني الذي يقوده اردوغان، فمازال مستمرا وقد يُدخل تركيا الى نفق اكثر عتمة من النفق الذي كانت ستدخله تركيا لو نجح الانقلاب الاول، وفي الحالتين الخسائر الاول والاخير هو الشعب التركي.
شفقنا العربي