خاص شفقنا-يعتبر الرئيس التركي رجب طيب اردوغان من اكثر رؤساء الدول الاقليمية تاثيرا في الازمة التي تعصف بسوريا منذ خمس سنوات، واعادت هذا البلد الى عقود الى الوراء، بل ان العديد من المراقبين يعتبرون اردوغان من اكثر الاشخاص تاثيرا في حدوث هذه الازمة وديمومتها ، بعد ان فتح حدود بلاده امام عشرات الالاف من التكفيريين القادمين من اكثر من 80 بلدا في العالم، وبعد ان وضع كل امكانيات تركيا في خدمة مخططه الرامي الى اسقاط الرئيس السوري وتقسيم سوريا.
لم تؤثر على ارادة اروغان في اسقاط الرئيس السوري، كل المآسي التي عاشها ويعيشها الشعب السوري من تشريد وقتل على مدى خمس سنوات الماضية وما زال، بل لم تؤثر في ارادته الاف الجثث الطافية على سطح البحار التي تفصل بين شواطىء تركيا وشواطىء اوروبا، لمهاجرين سوريين فضلوا ركوب الخطر والموت غرقا على العيش في ظل الحرب المفروضة عليهم من جيرانهم ومن ادعياء العروبة والاسلام، فمازال اردوغان على عناده القديم رغم ارتداد الارهاب الذي صدره الى سوريا، الى داخل مدنه وبلداته وقراه.
يبدو ان الانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا مؤخرا، دفع البعض للاعتقاد ان من الممكن ان يكف اردوغان اذاه عن الشعب السوري، على الاقل على المدى القصير، لانشغاله في الداخل التركي، لاسيما بعد استغلاله لمحاولة الانقلاب من اجل تصفية حساباته مع خصومه ومنافسيه ومعارضيه السياسيين، وهي عملية قد لا تترك له الفرصة بالتفكير بسوريا، كما كان الحال قبل الانقلاب.
هؤلاء يعتقدون ان من غير المرجح ان يكون اردوغان في نفس الاندفاعة بالنسبة للحرب المفروضة على الشعب السوري، لاسيما اذا علمنا بتوقيف أكثر من 60 ألفا من جنود الجيش والشرطة والقضاة والموظفين الحكوميين والمعلمين عن العمل أو احتجزوا أو خضعوا لتحقيقات، فيما ابطلت الحكومة اكثر من 10 الاف جواز سفر لموظفين، والعمل على محاكمة نحو ثلث جنرالات تركيا ، كما امتد التطهير إلى الموظفين الحكوميين في وزارتي البيئة والرياضة!
هذه الصورة المضطربة للداخل التركي، اذا اضفنا اليها اعلان الحكومة حالة الطوارئ لثلاثة اشهر قابلة للتمديد، الامر الذي سيثير على الأرجح قلق المنتقدين الذين يخشون بالفعل من وتيرة الإجراءات الصارمة التي يتخذها اردوغان، حيث تسمح حالة الطوارئ لحكومته باتخاذ إجراءات سريعة ضد كل من يعارضها حتى لو لم يكن مع الانقلابيين دون الرجوع للبرلمان، عنده سيكون احتمال ان يغير اردوغان موقفه من سوريا اقوى، وفقا لرؤية من يعتقد بهذا التغيير.
يبدو ان علاقات اردوغان مع الاتحاد الاوروبي، ليست بافضل من علاقات اردوغان مع معارضيه في الداخل، فقد دعت ألمانيا إلى إنهاء حالة الطوارىء في أسرع وقت ممكن. وحذرت مجموعة محامين دوليين تركيا من استخدام حالة الطوارئ للتعدي على سيادة القانون وحقوق الإنسان مشيرة إلى تعذيب وإساءة معاملة لمن احتجزوا بعد الاعتقالات الجماعية او اعادة العمل بعقوبة الاعدام، وحذرت مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني من ردة الفعل على الانقلاب يجب ألا تقوض الحقوق الأساسية، رافضة اعتقال وفصل القضاة والأكاديميين والصحفيين، واصفة الاجراءات التي اتخذت الحكومة التركية ضد مجالات التعليم والقضاء والإعلام على وجه الخصوص بانها غير مقبولة.
يرى من يعتقد بتاثير الانقلاب وتداعياته على تركيا وشخص اردوغان، ان الشعب السوري سيتنفس الصعداء على الاقل لفترة وجيزة، لدخول اردوغان في حرب مفتوحة ليس مع الانقلابيين، بل مع جميع معارضية السياسيين، وعلى قطاعات واسعة من الشعب التركي، ونهاية هذه الحرب قد لا تكون بيد اردوغان، وقد تدخل تركيا بسبب ذلك الى نفق مظلم قد لا تخرج منه سريعا.
في مقابل الراي الاول، هناك رأي اخر لايرى اي بوادر تشير الى احتمال ان يكف ادروغان عن سياسته الحاليه ازاء سوريا، وهذا الراي يستند الى معرفة دقيقة بشخصية اردوغان، وما تتصف به من عناد وتعصب وغرور، فعندما يُقدم اردوغان على كسر هيبة تركيا المتمثلة بالجيش بالصورة التي شاهدها العالم اجمع، وعندما يجازف في بناء جيش وقضاء وامن واعلام وتعليم تركي وفقا بمقاييسه هو لا بمقاييس تركيا، ورغم ما لهذا الامر من تداعيات كارثية حتى على تركيا كوجود مستقبلا، فمن السهل على اردوغان ان يواصل حربه ضد الشعب السوري بذات الاندفاعة، دون التفكير بتداعياتها مهما كانت، ويبدو ان هذا الراي هو الاقرب الى الواقع وللاسف الشديد، لذلك على اصحاب الراي الاول الا يبنوا قصورا من الرمال، تمحوها اول موجة وتاخذها معها الى اعماق البحر.
شفقنا العربي