شفقنا العراق – إن للزهراء عليها السلام مقامًا عظيمًا في الإسلام، وعند صاحب الشرع النبي صلى الله عليه وآله، وقد صدر منه عليه [وآله] الصلاة والسلام من الكلمات التي تفوق حدّ المدح والإطراء في حقها – عليها السلام – ما أوجب على الأمة الالتزام بعصمتها وبكونها منزّهةً عمّا يوجب الشك، أو المحامل العائدة إلى الأغراض والأهواء الشخصية ممّا ابتُلي به كثيرٌ من الصحابة، ممّا جعلها مصدرًا نقيًّا ومنبعًا صافيًا ومصدرًا تامًّا للسنة النبوية في قولها وفعلها وتقريرها، لا تختلف بذلك عن الأئمة المعصومين عليهم السلام.
وقد قال عنها الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: (إنها بضعةٌ مني)، وقال: (ما يغضب فاطمة يغضبني)، وقال: (فاطمة سيدة نساء العالمين)، وفضَّلها على مريم بنت عمران عليها السلام، وقال: (يؤذيني ما يؤذيها)، وقال: (لو لم يكن عليٌّ لم يكن لفاطمة كفء). ومعلومٌ مكانة عليٍّ عليه السلام في الإيمان والعمل والطهارة.
وهذه الأحاديث مرويةٌ بكثرةٍ من طرق الفريقين، ودلالتها على العصمة بإطلاقها واضح، إذ لم يصدر من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله هذا الإطلاق بقرن أذاه بأذى أحدٍ إلا بحقّها وحق أمير المؤمنين وولديهما عليهم السلام، وهذا دليل تنزّهها عن كل ما يرجع إلى الدنيا وغاياتها وتمحّض إيمانها، حتى صارت حرمتها كحرمة رسول الله صلى الله عليه وآله. وهذا ليس من جهة حقّ رعايتها لأنه يحبها بسبب بنوتها له، وإلا هناك من بني هاشم ومن له برسول الله النسب المستحق للرعاية ومع ذلك لم يصدر منه صلى الله عليه وآله بقدر ما صدر منه – صلى الله عليه وآله – في حق بنته الزهراء عليها السلام ومكانتها العظيمة.
ومن فضائلها – سلام الله عليها – أن تزويجها جاء بأمر من السماء، فلم يشأ الله أن يكون لها زوجٌ غير أمير المؤمنين عليه السلام، حتى أن النبي صلى الله عليه وآله لم يشأ البتّ في ذلك من دون أمرٍ من الله سبحانه وتعالى.
وقد آلت على نفسها الوفاء لرسالة الإسلام، وأحقية أهل البيت عليهم السلام في المقام بعد النبي صلى الله عليه وآله، فقامت في أكثر من مناسبة للدفاع عن حقانية أمير المؤمنين عليه السلام بالخلافة بعد النبي صلى الله عليه وآله، منها خطبتها في المسجد النبوي محتجةً على المهاجرين والأنصار دون أن يكون لأحدٍ منهم جرأةٌ على الرد على منطقها الفياض، وأقامت الحجة على حقانيتها بأرض فدك التي نحلها إليها رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته، وكان لها موقفٌ يوم هجوم القوم على الدار مطالبين أمير المؤمنين بالبيعة، فحاولت الاحتجاج أيضًا عليهم ومنافاة فعلهم لقدسيّة بيتها، وهم غير مصغين لها، حتى جرى ما جرى مما لا يحيط به قلم.
ولكن ترتّب على جهادها في تلك المواقف إبراز الحق للأجيال، وأنها – سلام الله عليها – ماتت مظلومةً غير راضية، ومن الطبيعي أن يسأل كل طالبٍّ للحقيقة عن سرّ مواقفها وهي المنزّهة بلسان القرآن في آية التطهير، والمنزّهة على لسان النبي صلى الله عليه وآله، فلا يبقى للحق مذهبٌ إلا معها وفي صفّها، وأي حقٍّ غير رسالة الدين! وما كانت الزهراء عليها السلام تفعل ما تفعل وتتعرض للأذى إلا لخوفها على انحراف القيم الدينية.
فسلامٌ عليها يوم وُلدت ويوم ماتت، ويوم تُبعث حيّةً تُطالب بحقوقها، وظهيرها رسول الله – صلى الله عليه وآله – خيرة الله من خلقه، وأمير المؤمنين – عليه السلام – شاهدها.
بقلم: المرجع الديني آية الله الشيخ محمد إسحاق الفياض
المصدر: المجلد الثالث من الاستفتاءات الشرعية، صفحة ٤٦٣.