خاص شفقنا- خلال الايام القليلة الماضية صدرت بعض المواقف غير المألوفة عن السعودية، تؤشر الى ان العقل السعودي ارتطم بحقائق على الارض لا يمكن لعناده ان يتجاوزها، فما كان منه الا ان يصغي الى نصائح بعض حلفائه من الامريكيين وغيرهم للخروج من المستنقع الذي دفع اليه السعودية، قبل ان تغرق فيه كليا.
الموقف الاول والغريب للسعودية كان ازاء الجرائم البشعة التي يرتكبها التحالف السعودي ضد الشعب اليمني المظلوم ومنذ اكثر من عشرة اشهر، وهو موقف جاء بعد التقارير التي صدرت عن المنظمات الدولية التي وثقت الغارات الجوية السعودية التي استهدفت المناطق السكنية والمدارس والمستشفيات ورياض الاطفال وحتى مراكز رعاية المكفوفين، حيث اعترفت السعودية بسقوط مدنيين خلال قصفها المستمر منذ عشرة اشهر ، واعلنت انها ستشكل لجنة تحقيق للتاكد من “صحة” التقارير الاممية، في محاولة لذر الرماد في العيون والقاء ظلال من الشك على تلك التقارير.
وفي ذات السياق ومن اجل افشال اي مساع دولية لنقل ملف جرائم الحرب التي ترتكبها السعودية في اليمن، اعلنت السعودية ان بريطانيا وامريكا تشاركانها في عدوانها على اليمن ، من اجل تفادي قصف المدنيين!
يبدو ان فكرة تشكيل لجنة للتحقيق في قتل المدنيين اليمنيين من قبل السعودية، كانت من بنات افكار بريطانيا وامريكا، بعد تجاوز عدد الشهداء اكثر من عشرة الاف مدني جلهم من الاطفال والنساء والشيوخ، كمناورة لمواجهة الإجماع الدولي المتزايد حول جرائم الحرب والانتهاكات الواسعة للقانون الإنساني والقانون الدولي، من قبل التحالف السعودي في اليمن، والجهات التي تقف وراء هذا التحالف مثل بريطانيا وامريكا.
احد خبراء القانون كان على حق عندما اعلن أن هدف السعودية، هو الهروب من تشكيل المجتمع الدولي أي لجنة تحقيق دولية شاملة لجرائم الحرب في اليمن، وهذا هو لب الصراع القائم حالياً وسبب إنشاء هذه اللجنة، لافتاً أن المجتمع الدولي قد كشف الأكذوبة السعودية ويعرف هدفها.
الموقف السعودي الغريب الثاني ، كان اعتراف المتحدث باسم وزارة الداخلية السعودية منصور تركي بأن النظام المالي السعودي قد “استُغِل” لجمع المليارات لتنظيم القاعدة في أفغانستان، واكد التركي، في مقابلة مع برنامج “هارد توك” في “بي بي سي”، إن “أفرادا أقنعوا الناس بتقديم الأموال تحت غطاء الأعمال الخيرية..واوهموا الناس بأن أموالهم تصرف للفقراء والمحتاجين، ولكنها للأسف كانت تذهب لتمويل تنظيم القاعدة في أفغانستان”.
هدف هذا الموقف السعودي الغريب، جاء كهدف موقفها من لجنة التحقيق في قتل اليمنيين، وهو استباق اي اجراء اممي يمكن ان يحقق بالدعم المالي والتسليحي السعودي للجماعات التكفيرية امثال “داعش” والقاعدة في سوريا واليمن والعراق وباكستان وافغانستان وليبيا واماكن اخرى، بعد ان تعالت الاصوات المستنكرة في العالم وخاصة في اوروبا، لهذا الدعم السعودي العلني، ومن هذه المواقف موقف وزير الاقتصاد الألماني، زيغمار غابرييل، الذي حذر السعودية من تمويل الجماعات التكفيرية في ألمانيا، ودعا السلطات في بلده إلى اتخاذ إجراءات صارمة مع المساجد التي تمولها السعودية.
كما جاء في تسريبات وكيليكس أن وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، قالت في 2010 و2011 إن السعودية تمول جماعات متطرفة عبر العالم.
آخر هذه المواقف السعودية الغريبة، كان اعلان السعودية عن استعدادها للتعاون في إدارة سوق النفط، شرط أن يتعاون كل المنتجين من داخل منظمة اوبك وخارجها، بعد ان ساهمت السياسة النفطية السعودية في اغراق اسواق النفط، على مدى الشهور الماضية، وتدنى اسعار النفط الى ما دون الثلاثين دولارا ،فهذا الموقف الغريب جاء بعد رفض السعودية وقف هذه السياسية الامريكية بهدف ضرب الاقتصادين الروسي والايراني، وكلنا يتذكر تصريحات على النعيمي في مقابلة مع نشرة المسح الاقتصادي للشرق الأوسط “ميس” عندما اكد ان بلاده لن تخفض انتاج النفط حتى لو وصل سعر البرميل 20 دولارا.
ويرى خبراء الاقتصاد ان اسباب الموقف السعودي الغريب هذا يعود الى النتائج الكارثية للسياسة النفطية السعودية والتي ادت الى تخسر دول الخليج الفارسي نحو 500 مليار دولار خلال الفترة الماضية، مما ادى الى حدوث عجز ضخم في ميزانية جميع تلك الدول، حتى ان عدد منها لجدأ الى الاقتراض وفرض ضرائب، والغاء الدعم عن المشتقات النفطية والكهرباء والغاء مشاريع البنى التحتية.
من المؤكد ان هذه المواقف الغريبة التي اتخذتها السعودية خلال الايام القليلة الماضية، لم تكن سوى ثلاث صفعات مدوية انزلتها الحقائق على الارض، على وجه العناد السعودي، غير المبرر وغير المنطقي واللاعقلي، ازاء المنطقة والازمات التي تعصف بها، وهي ازمات كانت ومازالت للسعودية في نشوبها حصة الاسد، لذلك على القيادة السعودية ان تكف عن عنادها، ليس في هذه القضايا الثلاث فقط، بل في كل القضايا الاخرى التي سلبت الامن والامان عن بلدان المنطقة وشعوبها، قبل ان تُصفع صفعة تُفقدها القدرة على السيطرة حتى على الشأن الداخلي السعودي.
بقلم: فيروز بغدادي