خاص شفقنا- بيروت-تتجدد احزان اهل البيت عليهم السلام في العشرين من صفر، ويتجدد معها العهد والوفاء بالبقاء على درب الحسين عليه السلام، حيث تكون كربلاء نقطة الملتقى، ونقطة الاشعاع الرسالي الأصيل، الذي منها انطلقت كل معاني الإنسانية والقيم السامية، وكانت منبع الشهادة وروح الإيثار والتضحية، حيث تجتمع القلوب التي أرهقها السبي والظلم والجور في كل عام بمشهد مليوني قل نظيره في حضرة ابن بنت رسول الله، لتسمو نحو خالقها بقلوب ولهى وارواح عطشى لتلك الحضرة المباركة وما تحمله من آثار روحية تبقى على مر السنين.
جموع غفيرة تتهافت لإحياء اربعينية الامام الحسين عليه السلام من جميع انحاء العالم في كل عام نحو المراقد المقدسة في العراق احياء للذكرى الخالدة، ولعل السير الى كربلاء هو اقرب طريق للسير نحو الجنة، فمسيرة المشاية تبدأ مع حَمَلة الرايات من جميع محافظات العراق، ولأن علامات المؤمن خمس: صلاة إحدى وخمسين، وزيارة الأربعين والتختم باليمين وتعفير الجبين، والجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، كما يقول الإمام الحسن العسكري “ع”، فإن الشوق يتجلى بالحسين الذي بكته السموات اربعين صباحا بالدم، والأرض بكت عليه أربعين صباحا بالسواد، والشمس بكت عليه أربعين صباحا بالكسوف والحمرة، ومثل ذلك فالملائكة بكت عليه أربعين صباحا، لهذا اطردت عادات الشيعة على تجديد العهد في العشرين من صفر اي في أربعين الإمام الحسين “ع” بعد استشهاده في العاشر من شهر محرم الحرام، لتكن محطة مراجعة الحسابات لئلا تسرق الدنيا الإنسان وتنسيه نفسه امام معابد الشهوات والأطماع.
فما هي خصوصية زيارة أربعين الإمام الحسين “ع“
يشير فضيلة الشيخ محمد عمرو في حديث خاص لوكالة “شفقنا” إلى أن “اربعينية الإمام الحسين هي طبقا لرواية وردت عن جابر بن عبد الله الانصاري الذي زار الإمام “ع” يوم الأربعين وان موكب السبايا قد عاد من الشام في يوم الأربعين مع الإمام زين العابدين “ع” ونزل الى هذه التربة المباركة، وقد وردت روايات عديدة عن اهل البيت “ع” بالحث على زيارة اربعين الإمام الحسين بل زيارة الإمام الحسين بالمطلق، لأن زيارة المقام هو ارتباط عاطفي وثقافي وفكري وولائي لحركته وثورته “ع”، من هنا تأتي الضرورة في الحث على الاستمرار بالتواصل في الزيارة واقامة العزاء لآل رسول الله لتبقى هذه الشعلة موجودة لأنها هي التي تدفع الى حركة تغيير للواقع المرير الذي يعيشه المسلمون”.
أراد الإمام الحسين ان يعيد للإنسان انسانيته
وحول الدروس والعبر التي تستخلصها من زيارة الإمام “ع” والسير اليه، اشار فضيلته الى انه “عندما تحرك الإمام الحسين للكوفة إنما كان تحركه لاجل الاصلاح في امة جده رسول الله، والإصلاح هو تغيير الفساد الموجود”، لافتا الى ان “الإمام خرج ليبقى مضمون الإسلام المحمدي الاصيل وروحيته الذي هو كناية عن المساواة وتوزيع الثروة والعدالة الإجتماعية والحب والسلام والأخوة .. وغيرها من المعاني التي تمثل بها الإسلام السمح، لانها كانت مهددة وكلها ضربت في تولي يزيد لسدة السلطة الملكية، لذا أراد الإمام الحسين أن يعيد للإنسان انسانيته حيث كان هناك محاولة لتحويل المسلمين الى اتباع وعبيد للملوك”.
واضاف “الامام الحسين اراد بحركته ان يقول ان الاسلام هو دين العدالة والمساواة والانسانية ودين العلم والمعرفة وليخرج الناس من ظلمات الجهل والعصبية الى نور العلم والمعرفة، من هنا يجب ان نفهم الإمام الحسين وثورته وان نحافظ على استمرارية ذكرى الإمام الحسين لنفهم مضامين ما اراده الإمام.
زيارة الأربعين.. مشهد حضاري لا يوجد مثله في كل العالم وانقلاب عاطفي
واشار فضيلته الى ان “ما نراه في كربلاء هو مشهد حضاري وعاطفي يثير الأشجان والعاطفة الإنسانية بشكل كامل”، لافتا الى انه لا يوجد في كل هذا العالم لا قديما ولا حديثا مثل هذا الاجتماع الذي يحصل بهذا الكم والعدد في مكان واحد وفي جهة واحد وتوجه واحد، فالزائرون يعبرون عن عاطفة جياشة تحركم في سبيل الوصول الى مقام الإمام الحسين والتبرك من تربته، مشيرا الى ان “ما يحصل هو انقلاب عاطفي، للإجتماع على حب آل البيت، هؤلاء البقية الباقية وحبل الله المتين وسفينة النجاة، فالناس في فطرتها تميل الى هذا الشعور وتريد ان تصل الى مصدر الثقة والإلهام والوحي، وتربة الإمام ومقامه يوحيان بكل المفاهيم الاسلامية الصحيحة بكل الشعور الاسلامي العميق”.
وختم الشيخ محمد عمرو بالقول، من هنا نجد هذه الحشود تبين ان الناس تحتاج في هذا الزمن، زمن الفتنة والبلاء والقتل والإفساد، الى ان يأخذوا من الإمام الحسين شحنة عاطفية تساعدهم على الاستمرار في حياتهم وان يعيشوا الاسلام الحقيقي”.
يذكر ان المرجع الأعلى السيد علي السيستاني قد دعا في توجيهاته للأربعينية الى الحفاظ على مبادئ الإسلام وتعاليمه المقدسة التي ضحى الإمام وأهل بيته وأصحابهم من اجل حمايتها من الضياع والانحراف”، مشددا على أنه “يقتضي من المؤمنين مزيد التفقه في الدين والحرص على تطبيقه وأداء الواجبات واجتناب المحرمات”.
ولفت الى ان المقاصد المهمة لهذا السفر الإلهي هو تثبيت المبدأ الأساس الذي انطلق منه الإمام في مسيرته من المدينة المنورة الى كربلاء وأراد شيعته الالتزام به في أحلك الظروف وهو التضحية بالمال والنفس والولد والايثار والصبر للحفاظ على مبادئ الإسلام.
www.lebanon.shafaqna.com