خاص شفقنا العراق-لا أدري أنّى ينقضي عجبي؛ إذ كيف بي أن اُطيق الانطواء في مخبأي، أختار الاستقرار، أتجرّع علقم الانتظار، فالفضاء كربلائيٌّ بامتياز واقتدار، أريج أربعين المولى يعطّر الهواء ويمسّك الأبدان، أنغام الرحيل تشنّف الأسماع والآذان، مشاهد الزحف تبهر العيون وتشغل الأذهان..إنّه الموسم الأبدي، موسم عشق إمام الإنس والجان، حين يفرّ المرء فوق المكان والزمان فيغدو الماضي حاضراً والحاضر آن، وتُستبدَل الخرائط فتتغيّر جغرافية الحيّز والمكان. الكلّ خلفي سوى المعشوق أمامي، سوى المولى غايتي ومرامي. هنا محطّ رحالي وبلسم جروحي وآلامي، هنا ينكسر القلم وتجفّ الريشة وينثلم مسلسل أفكاري.
هنا، الآن، بحوث: “الاجتهاد، حقّ الطاعة، شكر المنعم…في طول الشريعة أم في عرضها، الشبهة الحكميّة، المصداقيّة، الموضوعيّة، العلم الإجمالي، الشبهة العبائيّة، الشبهة المحصورة، الأصل المثبت، استصحاب القهقرى، حجّية الاستصحاب من القسم الثالث، حجّيّة مفهوم الحصر، الوصف…من عدمها، الحكومة والورود، توقيفيّة العبادات، الأحكام الثانويّة والضرورات”.
“البُعد الرابع، الحركة الجوهريّة، الدليل الإنّي واللمّي، النسب والقضايا والدلالات والصناعات، سبقة التفكير على الوجود أو العكس، ” التطوّر الدلالي للّفظ، الإدراك الوظيفي”.
“الواقعيّة، الرمزيّة، التجريديّة، الكلاسيكيّة…”.
“الأنطولوجيا، الميتودولوجيا، السوسيولوجيا، الأنثروبولوجيا، الثيولوجيا، الكوموزلوجيا، السيمياء…”.
“الكوانتم، النسبيّة، الأمبريقيّة، الميكانيكا…”.
هنا، الآن، كلّ هذه البحوث والعلوم والمعارف والفنون بلا استثناء: إمّا في إجازة، أو خافتٌ صوتها، مكسورٌ قلمها، جافّةٌ ريشتها، مشوّشةٌ أفكارها. فلا نداء هنا، الآن -بل في كلّ البقاع والأزمان-إلّا نداء الحسين، لا يراع إلّا يراع الحسين، لا أيقونة إلّا أيقونة الحسين، لا مبادئ إلّا مبادئ الحسين، ولا عشق إلّا عشق الحسين، لاحبّ إلّا حبّ الحسين. نعم، سمّها ما شئت: ولاية، عقيدة، هويّة، انتماء. مهما اختلفت العناوين والأسماء فالأمر موحّد بسّاق. إنّه الحبّ الذي ضربت جذوره في الأعماق واستطارت أنواره في الآفاق فهامت به القلوب والعقول بالاتّفاق.
مهما خالفنا وتخلّفنا ورأينا وتملّقنا لكنّا صادقون في شيءٍ من جنس اليقين، فوالله إنّ لنا قلوباً تحبّ الحسين.
يا كلّ التاريخ والأماكن أجمعين، يا مؤتمر الهيّام من طرّ الماضين والحاضرين، يا ركب الملايين الخمسة والعشرة والعشرين -على اختلاف الراوين-الزاحف صوب الحسين، أيّتها العشرات ومئات الملايين من الأحرار والشرفاء والعاشقين المرابطين خلف جبهات الماشين، حيث فضاءات قيم وأخلاق وحماسة أبي الأئمّة الميامين:
بالله عليكم ما هذا الحسين وما هذا السرّ الربّانيّ في الخالدين، بالله عليكم إنّا نغبطكم فاذكرونا حيث ثرى الحسين، اذكرونا حين تفاعِلِ الصنوين وفيض الدمع على الخدّين، اذكرونا بحقّ تريب الخدّين.
صلّى الله عليك سيّدي أبا عبد الله وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك…
بقلم: كريم الأنصاري