شفقنا العراق-في حوار خص به موقع شفقنا، يقول حجة الإسلام والمسلمين الشيخ علي النجفي، وهو مدير مكتب سماحة المرجع النجفي، إن “المرجعية لم تعد معنية اليوم بإدارة الحوزة والدراسة الدينية فقط، بل باتت مرتبطة بشؤون الأمة والمسلمين في جميع أصقاع الأرض وتهتم بملفات الشيعة في كل مكان”، وأكد إن “عمل مكاتب مراجع الدين وأهميتها كبيرة لما فيها من أسرار المرجعية، وأسرار الأمة، وأسرار المؤمنين وقضاياهم”.
وحول سمات حوزة النجف الأشرف وتحدياتها، بين النجفي، إن “النظام الحاكم على الحوزة العلمية بالنجف الأشرف قادر على التعايش مع أصعب الظروف والحالات رغم كل الصعوبات والمشاكل التي ابتلي بها العراق من خلال الطغاة الذين حكموا هذا البلد”، موضحا إن “عالمية النجف الأشرف من أهم ميزاتها، فهي ليست محصورة على أحد، بل هي مفتوحة على الجميع”.
“حوزة النجف العلمية هي أم الحوزات في العالم، ولكنها اليوم باتت محرجة من حيث ضيق الأماكن وقلة الاستعدادات لاستقبال آلاف الطلبة”..يضيف الشيخ النجفي ويبين إن “العمل جار على توسعة المدارس العلمية”، لكنه يؤكد إن “النقطة الأهم تتمثل في الحفاظ على استقلالية حوزة النجف ماديا وسياسيا وقياديا، فضلا عن ضرورة عدم حصر الحوزة العلمية بمنهج واحد وبرؤية واحدة، وكذلك الإبقاء على عالميتها عبر وجود الطلاب من مختلف بلدان العالم”.
وفيما يلي نص حوارنا مع الشيخ علي النجفي:
- هل هناك سمات تميز حوزة النجف الأشرف ومدرستها عن باقي الحوزات في منهج التعليم والدراسة، وأسلوب الحياة، وهل هناك من سبب معين لتأكيد المرجع النجفي على ضرورة الحفاظ على حرمة الحوزة العلمية في النجف الأشرف؟
إن حوزة النجف الأشرف كانت وما تزال وستبقى امتدادا لبركات الأئمة عليهم السلام من ناحية المواد العلمية والمشروع والمكان.
لا يرتبط وضع حوزة النجف الأشرف بالشيخ الطوسي رحمة الله عليه فقط، وإنما يمتد إلى الإمام الصادق عليه السلام وقبله الإمام علي عليه السلام والتوجيهات التي كان يطلقها في مسجد الكوفة.
إن مكانة حوزة النجف، علميا، قديمة في التاريخ لما تمتاز به من سمات، وعلى رأسها احتضان أرضها لمرقد الإمام علي عليه السلام، أما السمة الثانية فهي صلتها العلمية بباب مدينة العلم، أي الإمام علي عليه السلام، كما إن طريقتها وعراقتها وتفكيرها وارتباطها أعطتها رؤية أخرى.
والسمة الثالثة، هي طبيعة النظام الحاكم على الحوزة العلمية بالنجف الأشرف، فهو نظام خاص قادر على التعايش مع أصعب الظروف والحالات رغم كل الصعوبات والمشاكل التي ابتلي بها العراق من خلال الطغاة الذين حكموا هذا البلد. وهناك مثال بسيط على ذلك، فزعيم الحوزة العلمية السيد أبو القاسم الخوئي قدس الله نفسه الطاهرة، هو مرجع من أصول إيرانية سكن العراق، والعراق يخوض معركة عسكرية كبيرة ضد إيران، لكنه رحمة الله عليه استطاع أن يدير الأمور بطريقة ذكية، رغم أنه عانى ما عانى، كما الحوزة العلمية، لكن جهوده حمت الحوزة العلمية، فأعطتها هذه الظروف ميزات للبقاء بشكل كبير وقوي. واليوم نستطيع أن نصف حوزة النجف العلمية بأم الحوزات في العالم، فباقي الحوزات المحترمة والكريمة التي فيها العلم والبركة، قد تفرعت منها وبها ارتبطت. ولا يوجد اليوم مرجع وعالم وإلا ارتبط بهذه المدينة إما مباشرة وإما بواسطة.
- لقد شهدت الحوزة العلمية بالنجف الأشرف تغييرا في تركيبة طلابها ما بعد سقوط النظام، تمثل ذلك في ازدياد عدد الطلاب العراقيين على حساب الطلاب الأجانب من الإيرانيين، والأفغان، والباكستانيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى، فبعدما كانت نسبة الطلاب الأجانب حوالي 80 بالمئة من إجمالي الطلبة، أصبحت هذه النسبة اليوم حوالي 20 بالمئة فقط، ألا يؤثر هذا على المستوى العلمي في حوزة النجف، وهل هو فرصة أم تحدي؟
من أهم ميزات النجف الأشرف هي عالميتها، فهي ليست محصورة على أحد، بل هي مفتوحة على الجميع وبإمكان العلماء من كل نقاط العالم أن يأتون إليها ويزرعون العلم والخير فيها.
ولا شك إن حقبة صدام أثرت سلبيا على حوزة النجف، ومن جملة هذه التأثيرات هي انخفاض نسبة عالميتها من حيث عدد الطلبة الأجانب، مع أنها لم تغيب أبدا بفضل الله تعالى وقد بقي فيها طلاب وعلماء من دول أخرى. وبعد وفاة السيد الخوئي قدس الله نفسه الطاهرة، وفي السنين الـ 15 الأخيرة، سعى سماحة المرجع النجفي وبشكل كبير، وحتى في أيام الطاغية، إلى جلب أعداد كبيرة من الطلاب الأجانب من خارج العراق، وقد وفقنا في ذلك لكن بنسبة قليلة.
وبعد سقوط النظام فتح الباب فاتسعت المساحة، وباتت نسبة الطلاب الأجانب في حوزة النجف الأشرف أكثر من 20 بالمئة بالتأكيد، وهي في ازدياد مستمر، والحقيقة إن النجف الأشرف محرجة اليوم من حيث ضيق الأماكن وقلة الاستعدادات لاستقبال آلاف الطلبة، والعمل جار على توسعة المدارس العلمية.
ولا شك إن التنوع الموجود في النجف الأشرف قضية مهمة واستراتيجية من شأنها أن تحافظ على الحوزة وتخدم المجتمعات الأخرى بقوة.
- إن المرجعية رمز التشيع ولابد من الإبقاء عليها حفاظا على التشيع، فهل إن تصدي البعض ممن يفتقد الأهلية لمنصب المرجعية يبعث على القلق مستقبليا؟ وما هو الطريق الأمثل للحفاظ على تقاليد المرجعية التي توارثها الأجيال؟
لا شك إن هناك محاولات عديدة لاختراق الحوزة العلمية والمرجعية، وهي موجودة عبر التاريخ ومنها ما قام به الطاغية، لكن إخلاص علماؤنا وطريقة تعاملهم وإدارتهم للحوزة جعلت عملية الاختراق صعبة جدا. وقد لمسنا لمس اليد إن الله سبحانه وتعالى هو من يصون هذه الحوزة ويحافظ عليها رغم الصعوبات والظروف والمحن الكثيرة التي تمر بها.
كما إن الحفاظ على المنهج والأسلوب أمر ضروري لما فيه من ديمومة وحصانة، فضلا عن الكفاءة والقدرة العلمية والأعلمية والتوفيق، فهي كلها مساحة لظهور المرجع الأعلى والأكفأ والأفضل.
أما النقطة الأهم فهي تتمثل في الحفاظ على استقلالية حوزة النجف ماديا وسياسيا وقياديا، فضلا عن ضرورة عدم حصر الحوزة العلمية بمنهج واحد وبرؤية واحدة، وكذلك الإبقاء على عالميتها عبر وجود الطلاب من مختلف بلدان العالم.
- ما هي الأهمية التي تحتلها مكاتب مراجع الدين، وما هي النقاط التي يجب أن تأخذها بنظر الاعتبار في عملها؟
إن عمل مكاتب مراجع الدين وأهميتها كبيرة لما فيها من أسرار المرجعية، وأسرار الأمة، وأسرار المؤمنين وقضاياهم الشخصية، والعامة والخاصة والنفسية، والتجارية، وبالتالي فإن من يختار للعمل في هذه الأماكن يفترض أن يتمتع بخشية ومناعة وتقوى من الله تعالى، فضلا عن ضرورة تمتعه بالكفاءة.
والكفاءة مرتبطة بتنوع الملفات، فالمرجعية لم تعد معنية اليوم بإدارة الحوزة والدراسة الدينية فقط، بل باتت مرتبطة بشؤون الأمة والمسلمين في جميع أصقاع الأرض وتهتم بملفات الشيعة في كل مكان، وهي ملفات بغاية التنوع والدقة، وبالتالي فإن من يتولى إدارة هذه المكاتب وخدمتها سعيد الحظ من جهة، ومبتلي ابتلاء كبيرا، لما لهذه المسؤولية من صعوبة وصرامة.
وتكمن الأهمية في أن يوفق الخادم الذي يعمل في مكاتب المراجع أن يكون أمينا بنقل الصورة أيا كانت، إلى المرجع، وأي يكون مرآة عاكسة ويضع الأمور بيد المرجع بتنوعها ليكون القرار النهائي والمناسب بيد المرجع نفسه.
- ما هو تقييمكم لأوضاع الأمة وتحدياتها وطرق الحل لمشاكلها؟
الإجابة على هذا السؤال تحتاج إلى حديث طويل، لكن يمكن القول، باختصار شديد، إن الأمور ومع كل صعوبتها والمعاناة، متجهة نحو الأفضل، ونرى ونشاهد يوما بعد يوم ونشعر بإن بركات الإمام المهدي موجودة، وأهم ما يمكن أن أبعثه عبر مقابلتي مع موقعكم، إن الدنيا اليوم، ومع كل اختلافاتها الدينية والسياسية، اتفقت على أن تظهر وجها آخرا عن الإسلام، ونحن للأسف، منشغلون باختلافاتنا الداخلية، ونحن إذا استطعنا التخلص من هذه الخلافات والتركيز على المشاريع والأهداف الأساسية فسيكون وضعنا أفضل بكثير مما هو عليه الآن.
فلو تركنا الصراعات والقضايا الشخصية داخل البيت الشيعي والبيت الإسلامي سنكون في القمة، وكما قال سماحة المرجع النجفي بأن مدينة النجف الأشرف كانت عاصمة أول إمام، كما إنها ستكون عاصمة آخر إمام، وبالتالي فإن المكان معين ومعلوم وعلينا أن نكون مستعدين.
إن شيعة أهل البيت يتعرضون اليوم لابتلاءات متعددة، وإذا ما تكاتفوا وتعاضدوا فالابتلاءات هذه ستخفف وترفع فتزداد الفرصة والخير والبركة، وبالتالي تبقى النجف الأشرف مفتوحة عبر مختلف القنوات والطرق وعلى تواصل مع أتباع أهل البيت في مختلف نقاط العالم.
النهاية