الثلاثاء, مارس 19, 2024

آخر الأخبار

الداخلية تعلن تجهيز مئات المراكز لشراء السلاح من المواطنين

شفقنا العراق ـ في خطوة لحصر السلاح بيد الدولة...

بدء إرسال رسائل للمشمولين بحملة “العراق هويتي”

شفقنا العراق- أعلنت هيئة الحماية الاجتماعية في وزارة العمل...

وزارة العمل تطلق وجبة جديدة من قروض المشاريع الصغيرة المدرة للدخل

شفقنا العراق- أعلن وزير العمل والشؤون الاجتماعية أحمد الأسدي...

الشرطة العراقية تضبط وكرين لتهريب النفط وتقبض على عدد من المطلوبين

شفقنا العراق- في إطار المهام اليومية التي تقوم بها...

فريق طبي أجنبي يجري عمليات جراحية لأول مرة في مركز ميسان لجراحة القلب

شفقنا العراق - لإجراء عمليات جراحية معقدة في تشوهات...

تعزيز أمن مطار بغداد الدولي محور اجتماع في وزارة الداخلية

شفقنا العراق- بهدف تعزيز أمن مطار بغداد الدولي ومنظومة...

بسبب الأمطار.. خمس محافظات تعطل دوامها غدًا الثلاثاء

شفقنا العراق ــ بسبب الموجة المطرية المتوقعة، أعلنت خمس...

شريطة استخدام الري الحديث.. توجه لتوسيع زراعة الشلب

شفقنا العراق ـ توسيع زراعة الأراضي بمحصول الشلب محور...

لمواجهة الأحوال الجوية السائدة.. الكهرباء تستنفر كوادرها

شفقنا العراق ـ استنفرت وزارة الكهرباء كوادرها بشكل كامل...

ممثل المرجعية العليا يستعرض فضائل شهر رمضان المبارك وأهمية السجود

شفقنا العراق ــ استعرض ممثل المرجعية الدينية العليا ما...

رئيس الوزراء: “الاستقرار في العراق يؤكد التقدم بملف إنهاء وجود التحالف الدولي”

شفقنا العراق ــ فيما أشار إلى مضي الحكومة بتوسعة...

سبعة قرارات حكومية جديدة تخص الشباب في العراق

شفقنا العراق ــ في إطار الاهتمام المتزايد بشريحة الشباب...

نهضة الأمة في المنظور القرآني وأسباب زوالها؛ بقلم د. خليل خلف بشير

شفقنا العراق-من أبرز أسباب زوالِ النهضة عن الأمة، انحراف...

الأثر الروحي والمعنوي للصوم؛ بقلم آية الله ناصر مكارم الشيرازي

شفقنا العراق-‏الأثر الروحي والمعنوي للصوم يشكل أعظم جانب من...

نصائح صحية وغذائية في شهر رمضان المبارك

شفقنا العراق- الحفاظ على الصحة يعتمد في أحد أهم...

قاسم الشيباني.. 35 عامًا في تقديم الضيافة جعلت منه علمًا اجتماعيًا في مجالس النجف

خاص شفقنا العراق ــ استطاع الرجل الأربعيني قاسم الشيباني...

القوات العراقية تقبض على 3 إرهابيين في الأنبار وكركوك

شفقنا العراق ـ تواصل القوات العراقية ملاحقة فلول التنظيمات...

المدن السكنية.. مشاريع طموحة لحل أزمة السكن في العراق

شفقنا العراق ــ تعد أزمة السكن في العراق، من...

لتأمين رية الفطام .. الموارد تتجه لزيادة إطلاقات سدي الموصل وحديثة

شفقنا العراق ـ تتجه وزارة الموارد المائية إلى زيادة...

بمناسبة عيد الربيع.. تعطيل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

شفقنا العراق ـ بمناسبة عيد الربيع "نوروز"، أعلنت الأمانة...

تماشيًا مع مبادرة “أوبك”.. العراق يعلن التزامه بالخفض الطوعي للصادرات النفطية

شفقنا العراق ـ فيما أكد العراق موقفه الداعم لمبادرات...

للمشاركة في الختمة الرمضانية.. المجمع العلمي ينظم زيارات إلى كربلاء

شفقنا العراق ـ للمشاركة في الختمة القرآنية الرمضانية المركزية...

وزير التعليم: علماء العراق قادرون على استعادة حق امتلاك الطاقة النووية السلمية

شفقنا العراق ــ فيما أكد أن علماء العراق قادرون...

العتبة الكاظمية تنظم برنامجًا توجيهيًا وتطلق أنشطة قرآنية متنوعة

شفقنا العراق- فيما نظّمت برنامجًا توعويًا وتوجيهيًا لمجموعة من...

الصديقة الزهراء.. شهادتها ووصیتها وتأبين الإمام علي لها ومراسم التشييع والدفن

شقنا العراق-الزهراء فاطمة هي بنت محمد بن عبد الله (صلَّى الله عليه وآله) وخديجة بنت خويلد رضي الله عنها.

ولادتها الطاهرة:

ولدت من أكرم أبوين عرفهما التاريخ البشري، ولم يكن لأحد في تاريخ الإنسانية ما لأبيها من الآثار التي غيّرت وجه التاريخ، ودفعت بالإنسان أشواطاً بعيدةً نحو الأمام في بضع سنوات معدودات، ولم يحدّث التاريخ عن اُمٍّ كأمها وقد وهبت كلّ ما لديها لزوجها العظيم ومبدئه الحكيم، مقابل ما أعطاها من هداية ونور.

* لقد عاشت السيّدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) محن تبليغ الرسالة الإلهية منذ نعومة أظفارها، وحوصرت مع أبيها واُمّها وسائر بني هاشم في الشِعب ولم تبلغ ـ في بدء الحصار ـ من العمر سوى سنتين.

وما أن رفع الحصار بعد سنوات ثلاث عجاف، حتى واجهت محنة وفاة اُمّها الحنون وعمّ أبيها وهي في بداية عامها السادس، فكانت سلوة أبيها في تحمّل الأعباء ومواجهة الصعوبات والشدائد، تؤنسه في وحدته وتؤازره على ما يلمّ به من طغاة قريش وعتاتهم.

وهاجرت مع ابن عمّها والفواطم، إلى المدينة المنوّرة في الثامنة من عمرها الشريف، وبقيت إلى جنب أبيها الرسول الأعظم (صلَّى الله عليه وآله) حتى اقترنت بالإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فكوّنت أشرف بيت في الإسلام بعد بيت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) إذ أصبحت الوعاء الطاهر للسلالة النبوية الطاهرة والكوثر المعطاء لعترة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) الميامين.

* لقد قدّمت الزهراء (عليها السلام) أروع مثل للزوجة النموذج وللاُمومة العالية، في أحرج لحظات التاريخ الإسلامي الذي كان يريد أن يختطّ طريق الخلود والعلى في بيئة جاهلية وأعراف قَبَلية، ترفض إنسانية المرأة وتعدّ البنت عاراً وشناراً، فكان على مثل الزهراء ـ وهي بنت الرسالة المحمّدية الغرّاء ووليدة النهضة الإلهية الفريدة ـ أن تضرب بسلوكها الفردي والزوجي والاجتماعي مثلاً حقيقياً وعملياً يجسّد مفاهيم الرسالة وقِيَمها تجسيداً واقعيّاً.

وقد أثبتت الزهراء للعالم الإنساني أجمع أنّها الإنسان الكامل الذي استطاع أن يحمل طابع الاُنوثة، فيكون آية إلهية كبرى على قدرة الله البالغة وإبداعه العجيب، إذ أعطى للزهراء فاطمة أوفر حظ من العظمة وأوفى نصيب من الجلالة والبهاء.

* أنجبت الزهراء البتول لعليٍّ المرتضى: سيّدي شباب أهل الجنّة وابنيّ رسول الله (الحسن والحسين) الإمامين العظيمين، والسيّدتين الكريمتين (زينب الكبرى واُمّ كلثوم) المجاهدتين الصابرتين، وأسقطت خامس أبنائها (المحسن) بعد وفاة أبيها في أحداث الاعتداء على بيتها (بيت الرسالة)، فكان أوّل قُربان أهدته هذه الاُمّ المجاهدة الشهيدة بعد أبيها من أجل صيانة رسالة أبيها من التردّي والانحراف.

* لقد شاركت الزهراء (عليها السلام) أباها وبعلها صلوات الله عليهما في أحرج اللحظات وفي أنواع الأزمات، فنصرت الإسلام بجهودها وجهادها وبيانها وتربيتها لأهل بيت الرسالة الذين استودعهم الرسول (صلَّى الله عليه وآله) مهمة نصرة الإسلام بعد وفاته، فكانت أوّل أهل بيته لحوقاً به بعد جهاد مرير، توزّع في سوح الجهاد مع المشركين والقضاء على خُططِ ومؤامراتِ المنافقين، وتجلّى في تثقيف نساء المسلمين كما تجلّى في الوقوف أمام المنحرفين، فكانت بحقّ رمزَ البطولة والجهاد والصبر والشهادة والتضحية والإيثار، حتى فاقت في كلّ هذه المعاني سادات الأوّلين والآخرين في أقصر فترة زمنية يمكن أن يقطعها الإنسان نحو أعلى قمم الكمال الشاهقة.

الزهراء (عليها السلام) في حديث سيّد المرسلين (صلَّى الله عليه وآله):

(إن الله ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها) (١)

(فاطمة بضعة منّي من آذاها فقد آذاني ومن أحبّها فقد أحبّني) (٢).

(فاطمة قلبي وروحي التي بين جنبيَّ) (٣).

(فاطمة سيّدة نساء العالمين) (٤).

بعض من مظاهر مظلوميتها سلام الله عليها:

الهجوم على دار الزهراء (عليها السلام):

رفض الإمام عليّ (عليه السلام) البيعة لأبي بكر، وأعلن سخطه على النظام الحاكم، ليتّضح للعالم أنّ هذه الحكومة التي أعرض عنها الرجل الأول في الإسلام بعد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) لا تمثّل الخلافة الواقعية لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، وكذلك فعلت الزهراء فاطمة (عليها السلام) ليعلم الناس أنّ ابنة نبيّهم ساخطة عليهم وهي تدينها فلا شرعية لهذا الحكم.

وبدأ الإمام عليّ (عليه السلام) من جانب آخر جهاداً سلبياً ضد الغاصبين للحقّ الشرعي، ووقف مع الإمام عليّ (عليه السلام) عدد من أجلاّء الصحابة من المهاجرين والأنصار وخيارهم وممن أشاد النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) بفضلهم مع إدراكهم لحقائق الاُمور مثل: العباس بن عبد المطلب، وعمار بن ياسر، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، والمقداد بن الأسود، وخزيمة ذي الشهادتين، وعبادة بن الصامت، وحذيفة بن اليمان، وسهل بن حنيف، وعثمان بن حنيف، وأبي أيوب الأنصاري وغيرهم، من الذين لم تستطع أن تسيطر عليهم الغوغائية، ولم ترهبهم تهديدات الجماعة التي مسكت بزمام الخلافة وفي مقدمتهم عمر ابن الخطاب.

وكانت هناك بعض العشائر المؤمنة المحيطة بالمدينة مثل: أسد، وفزارة، وبني حنيفة وغيرهم، ممن شاهد بيعة يوم الغدير (غدير خم) التي عقدها النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) لعليّ (عليه السلام) بإمرة المؤمنين من بعده، ولم يطل بهم المقام حتى سمعوا بالتحاق النبيّ (صلَّى الله عليه وآله) إلى الرفيق الأعلى والبيعة لأبي بكر وتربّعه على منصة الخلافة، فاندهشوا لهذا الحادث ورفضوا البيعة لأبي بكر جملةً وتفصيلاً، وامتنعوا عن أداء الزكاة للحكومة الجديدة باعتبارها غير شرعية، حتى ينجلي ضباب الموقف، وكانوا على إسلامهم يقيمون الصلاة ويؤدّون جميع الشعائر.

ولكنّ السلطة الحاكمة رأت أنّ من مصلحتها أن تجعل حدّاً لمثل هؤلاء الذين يشكّلون خطراً للحكم القائم، ما دامت معارضة الإمام عليّ (عليه السلام) وصحابته تمثّل خطراً داخلياً للدولة الإسلامية، عند ذلك أحسّ أبو بكر وأنصاره بالخطر المحيط بهم وبحكمهم من خلال تصاعد المعارضة إن لم يبادروا فوراً إلى ايقاف هذا التيار المعارض، وذلك بإجبار رأس المعارضة (عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)) على بيعة أبي بكر.

وظنّت فاطمة (عليها السلام) أنّه لا يدخل بيتها أحدٌ إلاّ بإذنها، فلمّا أتوا باب فاطمة (عليها السلام) ودقّوا الباب وسمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: (يا أبتِ يا رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة، لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) جنازة بأيدينا وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردّوا لنا حقاً).

فلمّا سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تتصدّع وأكبادهم تنفطر وبقي عمر ومعه قوم، ودعا عمر بالحطب ونادى بأعلى صوته: والذي نفس عمر بيده لتخرجنَّ أو لأحرقنّها على من فيها، فقيل له: يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة، فقال: وإن .

فأخرجوا الإمام (عليه السلام) يسحبونه إلى السقيفة حيث مجلس أبي بكر، وهو ينظر يميناً وشمالاً وينادي (واحمزتاه ولا حمزة لي اليوم، واجعفراه ولا جعفر لي اليوم)!! وقد مرّوا به على قبر أخيه وابن عمّه رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فنادى: (ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي).

وروي عن عدي بن حاتم أنّه قال: والله ما رحمت أحداً قطّ رحمتي عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) حين أُتي به ملبّباً بثوبه، يقودونه إلى أبي بكر وقالوا له: بايع! قال: (فإن لم أفعل فَمَه؟) قال له عمر: إذن والله أضرب عنقك، قال عليّ: (إذن والله تقتلون عبد الله وأخا رسوله) فقال عمر: أمّا عبد الله فنعم، وأمّا أخو رسول الله فلا، فقال: (أتجحدون أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) آخى بيني وبينه؟!) وجرى حوار شديد بين الإمام (عليه السلام) وبين الحزب الحاكم.

وعند ذلك وصلت السيّدة فاطمة (عليها السلام) وقد أخذت بيد ولديها الحسن والحسين (عليهما السلام) وما بقيت هاشمية إلاّ وخرجت معها، يصحن ويوَلوِلن فقالت فاطمة (عليها السلام): (خلوا عن ابن عمّي!! خلوا عن بعلي!! والله لأكشفن رأسي ولأضعنّ قميص أبي على رأسي ولأدعوَنَّ عليكم، فما ناقة صالح بأكرم على الله منّي، ولا فصيلها بأكرم على الله من ولدي).

وراحت الزهراء وهي تستقبل المثوى الطاهر لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) تستنجد بهذا الغائب الحاضر: (يا أبتِ يا رسول الله! (صلَّى الله عليه وآله) ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة؟ فما تركت كلمتها إلاّ قلوباً صدعها الحزن وعيوناً جرت دمعاً).

اغتصاب فدك:

لمّا توفّي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) واستولى أبو بكر على الحكم ومضت عشرة أيام واستقام له الأمر; بعث إلى فدك من يخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).

وروي أنّ الزهراء أرسلت إلى أبي بكر: أنت ورثت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) أم أهله؟ قال: بل أهله، قالت: فما بال سهم رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: إنّي سمعت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) يقول: (إنّ الله أطعم نبيّه طعمة) ثم قبضه وجعله للذي يقوم بعده فولّيت أنا بعده أن أردّه إلى المسلمين.

وروي عن عائشة أنّ فاطمة (عليها السلام) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وهي حينئذ تطلب ما كان لرسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر، فقال أبو بكر: إنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: لا نورّث، ما تركناه صدقة، إنما يأكل آل محمّد من هذا المال. وإني ـ والله ـ لا أغيّر شيئاً من صدقات رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) ولأعملن فيها بما عمل رسول الله (صلَّى الله عليه وآله).

فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئاً (5).

وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال عليٌّ لفاطمة (عليهما السلام): (إنطلقي فاطلبي ميراثك من أبيك رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) فجاءت إلى أبي بكر وقالت: لِمَ تمنعني ميراثي من أبي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)؟ وأخرجتَ وكيلي من فدك وقد جعلها لي رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بأمر الله تعالى؟) فقال: إن شاء الله إنّك لا تقولين إلاّ حقاً ولكن هاتي على ذلك شهوداً، فجاءت اُم أيمن وقالت له: لا أشهد ـ يا أبا بكر ـ حتى أحتجّ عليك بما قاله رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)، أنشدك بالله ألست تعلم أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) قال: (أم أيمن امرأة من أهل الجنة)؟ فقال: بلى، قالت: فاشهد أنّ الله ـ عزَّ وجلَّ ـ أوصى إلى رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) (فَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ) فجعل فدكاً لها طعمة بأمر الله، وجاء علي (عليه السلام) فشهد بمثل ذلك، فكتب أبو بكر لها كتاباً ودفعه إليها، فدخل عمر فقال: ما هذا الكتاب؟ فقال أبو بكر: إنّ فاطمة ادّعت فدك وشهدت لها أم أيمن وعليّ فكتبته لها، فأخذ عمر الكتاب من فاطمة فتفل فيه ومزّقه، فخرجت فاطمة تبكي.

وروي أنّ الإمام علياً (عليه السلام) جاء إلى أبي بكر وهو في المسجد فقال: (يا أبا بكر، لِمَ منعت فاطمة ميراثها من رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وقد ملكته في حياة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله)؟) فقال أبو بكر: هذا فيء المسلمين، فإن أقامت شهوداً أنّ رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) جعله لها، وإلاّ فلا حقّ لها فيه، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (يا أبا بكر أتحكم فينا بخلاف حكم الله في المسلمين؟) قال: لا، قال (عليه السلام): (فإن كان في يد المسلمين شيء يملكونه، ثم ادّعيت أنا فيه، من تسأل البينة؟) قال: إيّاك أسأل البيّنة، قال (عليه السلام): (فما بال فاطمة سألتها البيّنة على ما في يدها وقد ملكته في حياة رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) وبعده، ولم تسأل المسلمين بيّنة على ما ادّعوا شهوداً كما سألتني على ما ادّعيت عليهم؟)… فسكت أبو بكر.

فقال عمر: يا عليّ، دعنا من كلامك، فإنّا لا نقوى على حجّتك، فإن أتيت بشهود عدول، وإلاّ فهو فيء للمسلمين لا حقّ لك ولا لفاطمة فيه.

فقال الإمام عليّ (عليه السلام): (يا أبا بكر تقرأ كتاب الله؟) قال: نعم، قال (عليه السلام): (أخبرني عن قوله عزَّ وجلَّ: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) فيمن نزلت؟ فينا أو في غيرنا؟) قال: بل فيكم، قال (عليه السلام): (فلو أنّ شهوداً شهدوا على فاطمة بنت رسول الله (صلَّى الله عليه وآله) بفاحشة ما كنت تصنع بها؟)، قال: كنت أقيم عليها الحدّ كما أقيم على نساء العالمين!، قال علي (عليه السلام): (كنتَ إذن عند الله من الكافرين)، قال: ولمَ؟ قال (عليه السلام): (لأنّك رددت شهادة الله بالطهارة وقبلت شهادة الناس عليها، كما رددت حكم الله وحكم رسوله أن جعل لها فدكاً وزعمت أنّها فيء للمسلمين، وقد قال رسول الله (صلَّى الله عليه وآله): البيّنة على من ادّعى واليمين على من أنكر) فدمدم الناس، وأنكر بعضهم بعضاً، وقالوا: صدق والله عليّ (6).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) راجع كنز العمّال: ١٢ / ١١١، ومستدرك الصحيحين: ٣ / ١٥٤، وميزان الاعتدال: ١ / ٥٣٥.

(٢) راجع الصواعق المحرقة: ٢٨٩، الإمامة والسياسة ص٣١، وكنز العمال: ١٢ / ١١١، وخصائص النسائي: ٣٥، وصحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة.

(٣) راجع فرائد السمطين: ٢ / ٦٦.

(٤) المستدرك على الصحيحين: ٣ / ١٧٠، وأبو نعيم في حلية الأولياء: ٢ / ٣٩، والطحاوي في مشكل الآثار:١ / ٤٨، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ٩ / ١٩٣، والعوالم: ١١ / ١٤١ و ١٤٦.

(5) شرح نهج البلاغة: ١٦ / ٢١٧.

(6) الاحتجاج للطبرسي: ١ / ٢٣٤، وكشف الغمة: ١ / ٤٧٨، وشرح النهج لابن أبي الحديد: ١٦ / ٢٧٤.

فاطمة الزهراء عليها السلام… الساعات الأخيرة قبل الرحيل

كانت السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام في ذلك اليوم الذي توفيت فيه طريحة الفراش، وقد أخذ منها الهزال كلّ مأخذ، وما بقي منها سوى الهيكل العظمي فقط، لقد رأت أَباها في المنام وهو يقول لها: “هلمّي إليّ يا بُنَيَّة فإنّي اليك مشُتاقٌ” ثمّ قال لها: “أنتِ الليلةَ عندي”.

انتبهت من غفوتها واستعدّت للرحيل إلى الآخرة، فقد سمعت من أبيها الصادق المصدَّق الذي قال: “من رآني فقد رآني”. سمعت منه نبأ ارتحالها فلا مجال للشكّ والتردّد في صدق الخبر.

فتحت عينها واستعادت نشاطها ولعلّها كانت في صحوة الموت وقامت لاتّخاذ التدابير اللازمة، واغتنمت تلك السويعات الأخيرة من حياتها، أقبلت الزهراء تزحف أو تمشي متّكئة على الجدار نحو الموضع الذي فيه الماء من بيتها، وشرعت تغسل ثياب أطفالها بيديها المرتعشتين، ثم دعت أطفالها وطفقت تغسل رؤوسهم، ودخل الإمام عليّ عليه السلام البيت وإذا به يرى عزيزته قد غادرت فراش العلّة وهي تمارس أعمالها المنزلية.

رقّ لها قلب الإمام حين نظر إليها وقد عادت إلى أعمالها المتعبة التي كانت تجدها أيام صحتها، فلا عجب إذا سألها عن سبب قيامها بتلك الأعمال بالرغم من انحراف صحّتها، أجابته بكلّ صراحة لأن هذا اليوم هو آخر يوم من أيام حياتي، قمت لأغسل رؤوس أطفالي وثيابهم لأنّهم سيصبحون يتامى بلا اُم، سألها الإمام عن مصدر هذا النبأ فأخبرته بالرؤيا، فهي بذلك قد نعت نفسها إلى زوجها بما لا يقبل الشك.

وصيّة الزهراء عليها السلام للإمام عليّ عليه السلام

وفي الساعات الأخيرة من حياتها حان لها أن تكاشف زوجها بما أضمرته في صدرها طيلة هذه المدّة من الوصايا التي يجب تنفيذها. فقالت عليها السلام لعليّ عليه السلام: ” يابن عمّ إنّه قد نُعيت إليَّ نفسي وإنّني لا أرى ما بي إلاّ أننّي لاحقة بأبي ساعة بعد ساعة، وأنا اُوصيك بأشياء في قلبي ” قال لها عليّ عليه السلام: “أوصيني بما أحببت يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله “. فجلس عند رأسها ، وأخرج من كان في البيت ثم قالت: ” يابن عمّ ما عهدتني كاذبة ولا خائنة ولا خالفتك منذ عاشرتني “؟ فقال عليّ عليه السلام: ” معاذ الله أنتِ أعلم بالله، وأبرّ وأتقى وأكرم وأشدّ خوفاً من الله من أن أُوبّخكِ بمخالفتي وقد عزّ عليَّ مفارقتكِ وفقدكِ إلاّ أنّه أمر لا بد منه، والله لقد جددتِ عليَّ مصيبة رسول الله صلى الله عليه وآله وقد عظمت وفاتك وفقدك فإنّا لله وإنّا اليه راجعون من مصيبة ما أفجعها وآلمها وأمضّها وأحزنها!! هذه مصيبة لا عزاء منها، ورزية لا خلف لها “.

ثم بكيا جميعاً ساعة، وأخذ الإمام رأسها وضمها إلى صدره ثم قال: ” أوصيني بما شئت فإنّكِ تجديني وفياً أمضي كلّما أمرتني به، وأختار أمركِ على أمري “. فقالت عليها السلام: “جزاكَ الله عنّي خير الجزاء، يابن عمّ اُوصيك أولاً:أن تتزوّج بعدي…. فإنّ الرجال لا بدّ لهم من النساء ” ثم قالت عليها السلام: “اُوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني فإنّهم عدوّي وعدوّ رسول الله، ولا تترك أن يصلّي عليَّ أحد منهم ولا من أتباعهم، وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار “1.

ثم قالت عليها السلام: “يابن العمّ إذا قضيت نحبي فاغسلني ولا تكشف عنّي، فإنّي طاهرة مطهّرة، وحنّطني بفاضل حنوط أبي رسول الله صلى الله عليه وآله، وصَلِّ عليَّ، وليصلِّ معك الأَدنى فالأَدنى من أهل بيتي، وادفني ليلاً لا نهاراً، وسرّاً لا جهاراً، وعفَّ موضع قبري، ولا تشهد جنازتي أحداً ممن ظلمني، يابن العمّ أنا أعلم أنّك لا تقدر على عدم التزويج من بعدي فإن أنت تزوّجت امرأة اجعل لها يوماً وليلةً، واجعل لأولادي يوماً وليلةً، يا أبا الحسن ! ولا تصح في وجوههما فيصبحا يتيمين غريبين منكسرين، فإنّهما بالأمس فقدا جدّهما واليوم يفقدان اُمهما2.

وروى ابن عباس وصيّة مكتوبة لها عليها السلام جاء فيها:” هذا ما أوصت به فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله أوصت وهي تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً عبده ورسوله، وأَنّ الجنّة حقّ، والنار حقّ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها، وأَنّ الله يبعث من في القبور، يا عليّ أنا فاطمة بنت محمّد، زوّجني الله منك لأكون لك في الدنيا والآخرة، أنت أولى بي من غيري، حنّطني وغسّلني وكفّني بالليل، وصلِّ عليَّ وادفني بالليل، ولا تُعلم أحداً، وأستودعك الله، وأقرأ على ولديّ السلام إلى يوم القيامة 3.

أول نعش أُحدث في الإسلام

روي عن أسماء بنت عميس أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام قالت لأسماء: إنّي قد استقبحت ما يصنع بالنساء، إنّه يطرح على المرأة الثوب فيصفها لمن رأى، فقالت أسماء: يا بنت رسول الله أنا اُريك شيئاً رأيته بأرض الحبشة، فدعت بجريدة رطبة فحسنتها، ثم طرحت عليها ثوباً، فقالت فاطمة عليها السلام: “ما أحسن هذا وأجمله، لا تعرف به المرأة من الرجل4.

وعن أبي عبدالله الصادق عليه السلام: “أول نعش اُحدث في الإسلام نعش فاطمة، إنّها اشتكت شكاتها التي قبضت فيها، وقالت لأسماء: إنّي نحلت فذهب لحمي، ألا تجعلين لي شيئاً يسترني ؟ فقالت أسماء: إنّي إذ كنت بأرض الحبشة رأيتهم يصنعون شيئاً أفلا أصنع لك مثله ؟ فإن أعجبك صنعت لك، قالت عليها السلام: نعم، فدعت بسرير، فأكبته لوجهه، ثم دعت بجرائد ـ نخل ـ فشدّدته على قوائمه، ثم جلّلته ثوباً فقالت أسماء: هكذا رأيتهم يصنعون، فقالت عليها السلام: اصنعي لي مثله، اُستريني سترك الله من النار”.

لحظات عمرها الأخيرة

انتقلت السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام إلى فراشها المفروش وسط البيت، واضطجعت مستقبلة القبلة.

وقيل: إنّها أرسلت بنتيها زينب واُمّ كلثوم إلى بيوت بعض الهاشميات لئلاّ تشاهدا موت اُمهما، كلّ ذلك من باب الشفقة والرأفة والتحفّظ عليهما من صدمة مشاهدة المصيبة.

كان الإمام عليّ والحسن والحسين عليهم السلام خارج البيت في تلك الساعة ولعلّ خروجهم كان لأسباب قاهرة وظروف معينة.

وجاء عن أسماء أنّ فاطمة الزهراء عليها السلام لمّا حضرتها الوفاة قالت لأسماء: “إنّ جبرئيل أتى النبيّ ـ لما حضرته الوفاة ـ بكافور من الجنّة فقسّمه أثلاثاً، ثلثاً لنفسه، وثلثاً لعلي، وثلثاً، لي وكان أربعين درهماً فقالت: يا أسماء ائتني ببقية حنوط والدي من موضع كذا وكذا، وضعيه عند رأسي، فوضعته ثم قالت لأسماء حين توضّأت وضوءها للصلاة: هاتي طيبي الذي أتطيّب به، وهاتي ثيابي التي اُصلي فيها فتوضأت” ثم تسجَّت بثوبها ثم قالت: “انتظريني هنيئةً وادعيني فإن أجبتك وإلاّ فاعلمي أنّي قدمت على أبي فأرسلي إلى علي”.

وحين حانت ساعة الاحتضار وانكشف الغطاء نظرت السيّدة فاطمة عليها السلام نظرة حادة ثم قالت: “السلام على جبرئيل، السلام على رسول الله، اللهمّ مع رسولك، اللهمّ في رضوانك وجوارك ودارك دار السلام، ثم قالت: هذه مواكب أهل السماوات وهذا جبرئيل وهذا رسول الله يقول: يا بنية أَقدمي فما أمامكِ خيرٌ لك” وفتحت عينيها ثم قالت: “وعليك السلام يا قابض الأرواح عجّل بي ولا تعذّبني” ثم قالت: “إليك ربّي لا إلى النار” ثم غمضت عينيها ومدّت يديها ورجليها.

فنادتها أسماء فلم تجبها، فكشفت الثوب عن وجهها فإذا بها قد فارقت الحياة، فوقعت عليها تقبّلها وهي تقول: يا فاطمة إذا قدمت على أبيك رسول الله فاقرئيه عن أسماء بنت عميس السلام، ودخل الحسن والحسين فوجدا اُمّهما مسجاة فقالا: يا أسماء ما ينيم اُمّنا في هذه الساعة ؟ قالت: يا ابنيّ رسول الله ليست اُمّكما نائمة، قد فارقت الدنيا.

فألقى الحسن نفسه عليها يقبّلها مرةً ويقول: “يا اُماه كلّميني قبل أن تفارق روحي بدني”، وأقبل الحسين يقبّل رجلها ويقول: “أنا ابنك الحسين كلّميني قبل أن يتصدّع قلبي فأموت”.

فقالت لهما أسماء: يا ابنيّ رسول الله، إنطلقا إلى أبيكما عليّ فأخبراه بموت اُمّكما، فخرجا حتى إذا كانا قرب المسجد رفعا أصواتهما بالبكاء فابتدر إليهما جمع من الصحابة وسألوهما عن سبب بكائهما فقالا: “قد ماتت اُمّنا فاطمة عليها السلام”. فوقع الإمام عليّ عليه السلام على وجهه يقول: “بمن العزاء يابنت محمد”5 ؟

مراسم التشييع والدفن

وارتفعت أصوات البكاء من بيت عليّ عليه السلام فارتجّت المدينة بالبكاء من الرجال والنساء، ودهش الناس كيوم قبض فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، واجتمعت نساء بني هاشم في دار فاطمة عليها السلام فصرخن وبكين، وأقبل الناس إلى عليّ عليه السلام وهو جالس والحسن والحسين بين يديه يبكيان، وخرجت اُمّ كلثوم وهي تقول: يا أبتاه يا رسول الله! الآن حقاً فقدناك فقداًلا لقاء بعده أبداً6.

واجتمع الناس فجلسوا وهم يضجّون، وينتظرون خروج الجنازة ليصلّوا عليها، وخرج أبو ذر وقال: انصرفوا فإنّ ابنة رسول الله قد اُخر إخراجها في العشية، وأقبل أبو بكر وعمر يعزّيان علياً عليه السلام ويقولان له: يا أبا الحسن لا تسبقنا بالصلاة على ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله7.

وهكذا تفرّق الناس، وهم يظنّون أنّ الجنازة تشيّع صباح غد وروي أنّ وفاتها كانت بعد صلاة العصر أو أوائل الليل .

ولكنّ الإمام عليّاً عليه السلام غسّلها وكفّنها هو وأسماء في تلك الليلة، ثم نادى: يا حسن يا حسين يا زينب يا اُمّ كلثوم هلمّوا فتزوّدوا من اُمّكم فهذا الفراق واللقاء الجنّة، وبعد قليل نحّاهم أمير المؤمنين عليه السلام عنها8.

ثم صلّى عليٌّ على الجنازة ورفع يديه إلى السماء فنادى ” اللهمّ هذه بنت نبيّك فاطمة أخرجتها من الظلمات إلى النور، فأضاءت ميلاً في ميل “.

فلمّا هدأت الأصوات ونامت العيون ومضى شطر من الليل تقدّم أمير المؤمنين والعباس والفضل بن العباس ورابع يحملون ذلك الجسد النحيف، وشيّعها الحسن والحسين وعقيل وسلمان وأبو ذر والمقداد وبريدة وعمار9.

ونزل عليّ عليه السلام إلى القبر، واستلم بضعة رسول الله صلى الله عليه وآله وأضجعها في لحدها وقال: ” يا أرض أستودعك وديعتي، هذه بنت رسول الله، بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله وعلى ملّة رسول الله محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله، سلمتكِ أيتها الصدّيقة إلى من هو أولى بكِ منّي، ورضيت لكِ بما رضي الله تعالى لكِ “، ثم قرأ منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة اُخرى ، ثم خرج من القبر، وتقدّم الحاضرون وأهالوا التراب على تلك الدرّة النبويّة، وسوّى عليّ عليه السلام قبرها.

تأبين الإمام عليّ عليه السلام للزهراء عليها السلام

انتهت مراسم الدفن بسرعة خوفاً من انكشاف أمرهم وهجوم القوم عليهم، فلمّا نفض الإمام يده من تراب القبر هاج به الحزن لفقد بضعة الرسول وزوجته الودود التي عاشت معه الصفاء والطهارة والتضحية والإيثار، وتحمّلت من أجله الأهوال والصعاب، فأرسل دموعه على خدّيه، وحوّل وجهه إلى قبر رسول اللهصلى الله عليه وآله ثم قال:” السلام عليك يا رسول الله عنّي، والسلام عليك عن ابنتك وحبيبتك وقرّة عينك وزائرتك والبائنة في الثرى ببقعتك، والمختار الله لها سرعة اللحاق بك، قلَّ يا رسول الله عن صفيتك صبري، وعفى عن سيدة نساء العالمين تجلّدي، إلاّ أنّ في التأسي لي بسنَّتك في فرقتك موضع تعزي، فلقد وسدتُك في ملحودة قبرك بعد أن فاضت نفسك بين نحري وصدري، وغمضتك بيدي، وتوليت أمرك بنفسي. بلى، وفي كتاب الله لي أنعم القبول، إنّا لله وإنّا اليه راجعون، قد استرجعت الوديعة، وأخذت الرهينة، واختلست الزهراء، فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله!

أمّا حزني فسرمد، وأمّا ليلي فمسهّد، لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار الله دارك التي أنت فيها مقيم، كَمَدٌ مقيّح، وهم مهيّج، سرعان ما فرّق الله بيننا وإلى الله أشكو، وستنبئك ابنتك بتضافر اُمّتك عليَّ، وعلى هضمها حقّها فأحفها السؤال، واستخبرها الحال، فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين، والسلام عليكما يا رسول الله سلام مودّع لاسئم ولا قال، فإن أَنصرف فلا عن ملالة، وإن أُقم فلا عن سوء ظنّ بما وعد الله الصابرين، والصبر أَيمن وأجمل.

ولو لا غلبة المستولين علينا لجعلتُ المقام عند قبرك لزاماً، والتلبّث عنده عكوفاً، ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية، فبعين الله تدفن ابنتك سرّاً، ويهتضم حقّها قهراً، ويمنع إرثها جهراً ولم يطل منك العهد، ولم يخلق منك الذكر، فإلى الله ـ يا رسول الله ـ المشتكى، وفيك ـ يا رسول الله ـ أجمل العزاء، فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته”10.

محاولة نبش القبر

أصبح الصباح من تلك الليلة فأقبل الناس ليشيّعوا جنازة الزهراء عليها السلام فبلغهم الخبر أنّ عزيزة رسول الله صلى الله عليه وآله قد دفنت ليلاً وسراً.

وكان الإمام عليّ عليه السلام قد سوّى في البقيع صور قبور سبعة أو أكثر، وحيث إنّ البقيع كان في ذلك اليوم وإلى يومنا هذا مقبرة أهل المدينة ولهذا أقبل الناس إلى البقيع يبحثون عن قبر فاطمة عليها السلام فاُشكل عليهم الأمر ولم يعرفوا القبر الحقيقي لسيّدة نساء العالمين، فضجّ الناس، ولام بعضهم بعضاً وقالوا: لن يخلف نبيّكم إلاّ بنتاً واحدة، تموت وتدفن ولم تحضروا وفاتها والصلاة عليها ولا تعرفون قبرها، فقال بعضهم: هاتوا من نساء المسلمين من ينبش هذه القبور حتى نخرجها فنصلي عليها.

وصل خبر محاولات القوم لنبش القبر إلى الإمام عليّ عليه السلام فلبس القباء الأصفر الذي كان يلبسه في الحروب، وحمل سيفه ذا الفقار وقد احمرّت عيناه ودرّت أوداجه من شدة الغضب، وقصد نحو البقيع.

سبقت الأخبار عليّاً إلى البقيع، ونادى مناديهم: هذا عليّ بن أبي طالب قد أقبل كما ترونه، يقسم بالله لئن حُوّل من هذه القبور حجر ليطعن السيف في رقاب الآمرين، فقال رجل: ما لك يا أبا الحسن والله لننبشنّ قبرها ولنصلّين عليها؟ فضرب عليّ عليه السلام بيده إلى جوامع ثوب الرجل وهزّه ثم ضرب به الأرض، وقال له: ” يابن السوداء أَمّا حقي فقد تركته مخافة أن يرتدّ الناس عن دينهم، وأمّا قبر فاطمة فوالذي نفس عليّ بيده لئن رُمتَ وأصحابك شيئاً من ذلك لأسقينّ الأرض من دمائكم “.

فقال أبو بكر: يا أبا الحسن بحقّ رسول الله وبحقّ فاطمة إلاّ خلَّيت عنه، فإنّا غير فاعلين شيئاً تكرهه. فخلى عنه وتفرّق الناس11.

تأريخ شهادتها عليها السلام

لا شك أنّ وفاة الزهراء عليها السلام كانت في السنة الحادية عشرة من الهجرة، لأنّ النبيّ صلى الله عليه وآله حجّ حجّة الوداع في السنة العاشرة، وتوفّي في أوائل السنة الحادية عشرة، واتّفق المؤرّخون على أنّ السيّدة فاطمة عليها السلام قد عاشت بعد أبيها أقلّ من سنة، علماً بأنّها كانت في ريعان شبابها كما كانت في أتمّ الصحة في حياة أبيها، نعم اختلفوا في يوم وشهر وفاتها اختلافاً شديداً.

فقد روي أنّها عاشت بعد النبيّ صلى الله عليه وآله ستة أشهر. وقيل: خمسة وتسعين يوماً. وقيل: خمسة وسبعين يوماً أو أقلّ من ذلك.

فعن الإمام الصادق عليه السلام:”أنها قبضت في جمادى الآخرة يوم الثلاثاء لثلاث خلون منه، سنة إحدى عشرة من الهجرة”12.

وعن الإمام الباقر عليه السلام:” وتوفّيت ولها ثماني عشرة سنة وخمسة وسبعون يوماً “.

وعن جابر بن عبدالله الأنصاري:وقبض النبيّ ولها يومئذ ثماني عشرة سنة وسبعة أشهر13.

قال أبو الفرج الإصفهاني: وكانت وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام بعد وفاة النبيّ صلى الله عليه وآله بمدّة يختلف في مبلغها، فالمكثر يقول ستة أشهر، والمقلّ يقول أربعين يوماً، إلاّ أنّ الثابت في ذلك ما روي عن الإمام الباقر عليه السلام أنّها توفيت بعد النبيّ بثلاثة أشهر14.

وهكذا انتهت حياتها الزاخرة بالفضائل والمناقب والمواقف المبدئية المشرفة، فالسلام عليها يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيةً ورحمة الله وبركاته.

* سلسلة أعلام الهداية-فاطمة الزهراء”سيدة النساء”-، المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام، ط1، 1422هـ، ج3، ص186-192.

1- روضة الواعظين: 1 / 151، وفي رواية: إذا هدأت الأصوات ونامت العيون.

2- بحار الأنوار: 43 / 178 و 192.

3- بحار الأنوار: 43 / 214.

4- كشف الغمة: 1 / 503، وبحار الأنوار: 43 / 213، وتهذيب الأحكام: 1 / 469

5-بحار الأنوار: 43 / 186.

6-بحار الأنوار: 43 / 192.

7- المصدر نفسه: 199.

8- المصدر نفسه: 179.

9- المصدر نفسه: 193.

10- بحار الأنوار: 43 / 193.

11- دلائل الإمامة للطبري: 46 ـ 47.

12- دلائل الامامة، للطبري: ص45 وكشف الغمة: 1 / 53.

13- مناقب آل أبي طالب: 2 / 357.

14- راجع كشف الغمة: 128.

مقالات ذات صلة