خاص شفقنا العراق-يعتبر آية الله الشيخ باقر الإيرواني من كبار أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف فدروس بحث الخارج التي يلقيها هي الأكثر اكتظاظا في النجف، وقد استقبلنا شخصيا ورحب بنا وجلس معنا دون تحفظ ودون حضور الآخرين.
تحدث آية الله الإيرواني لـ”شفقنا” عن خصائص مدرسة النجف الأشرف وحوزتها وما يميزها عن غيرها من الحوزات، وقال إنها تتميز بالتركيز الأكثر على “الفقه” و”الأصول” مقارنة بالعلوم الأخرى، كما إن طلابها يعيشون حالة من عدم التکلف، والبساطة والتقوى وهذا ما تعلمناه من الشيخ الأنصاري.
“هناك ميزات أخرى في حوزة النجف الأشرف، لكن هذين الميزتين هما الأبرز”..يقول آية الله الإيرواني ويتابع: “لا أريد أن أقول بأن حوزة النجف لا تتدخل في الشؤون السياسية، فالعلماء يتدخلون في الجانب السياسي عند الضرورة واقتضاء المصلحة”.
وفيما يتعلق بالظروف التي تمر بها حوزة النجف ووضعها العلمي بصورة عامة، قال آية الله الإيرواني إن “حوزة النجف ابتليت بمحنة كبرى في أيام نظام صدام حسين وقد مورس عليها شتى أنواع الضغوط وتشت طلابها وتفرقوا، ولكن بعد سقوط النظام رجع الطلاب إليها، واليوم تشهد حوزة النجف حالة جيدة وفيها الأفاضل من العلماء، والوضع آخذ بالتحسن وهو أشبه بالمريض الذي تجاوز مرحلة الخطر ويتعافى تدريجيا”.
وحول تدخل العلماء والمجتهدين في “السياسة”، يرى آية الله الإيرواني إنه جائز وحتى واجب إذا اقتصت الضرورة والمصلحة، ولكن في خلافه لا يجوز للعلماء التدخل في الجانب السياسي.
“أما مستوى هذا التدخل السياسي فتحدده المصلحة، فهنا في العراق نقول بأننا يجب أن لا نتدخل في الشؤون السياسية قدر الإمكان سوى لهداية الناس وقيادتهم، فإذا تدخلنا سيحملوننا مسؤولية كل المواقف السلبية ويقال بأن الحكومة حكومتكم وأنتم من جلبتموها”..هكذا يوضح آية الله الإيرواني معالم الدور السياسي للعلماء ومراجع الدين، ويؤكد إن اختلاف وجهات النظر بين آية الله العظمى الخوئي وبين الإمام الخميني في هذا الجانب مرده إلى الاختلاف في مستوى تدخل العلماء بالشؤون السياسية.
“إن آية الله الخوئي ربما كان يعتقد بعدم جواز تدخل العلماء في الشؤون السياسية من بادئ الأمر، ورأيي أقرب إلى هذه الرؤية التي تقول بأننا لا نتدخل سياسيا إلا إذا اقتضت الضرورة”.
وتابع آية الله الإيرواني إن “الظروف بعد سقوط نظام صدام حسين فرضت على الحوزة العلمية أن تتدخل في الجانب السياسي، وإن لم يبادر السيد السيستاني إلى إقحام الحوزة في تلك المرحلة فلم يحصل الشيعة على شيء، فمنصب رئاسة الوزراء بات من نصيب الشيعة بفضل مبادرات وخطوات سماحته”.
“إن التاريخ سيسجل ما قام به سماحة السيد السيستاني عندما جعل الحوزة في تلك الظروف تتدخل سياسيا، وإذا لم تبادر الحوزة العلمية إلى فعل شيء لتوجهت سهام النقد إليها وكان التاريخ يكتب إن الحوزة فضلت الابتعاد عن الساحة والتركيز على الفقه والأصول وتجاهلت شؤون الناس”..يقول الأستاذ البارز في حوزة النجف، لكنه لم ينكر ظهور بعض النتائج السلبية وإن بعض الأشخاص الذين لم يسمهم، لم ينتهجوا الطريق الصحيح: “لقد دخل النبي الأكرم صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والإمام علي عليه السلام، الساحة السياسية لكن بعض الناس حرفوا طريق دخولهما إلى السياسة، فالأمر موجود منذ عصر النبي وليس شيئا جديدا”.
سألنا آية الله الإيرواني عما يميز السيد السيستاني عن غيره من المراجع والعلماء، هل هو الانفتاح والحرية التي باتت تتمتع بهما الحوزة اليوم أم إن ذلك يعود إلى أسباب فقهية وأصولية؟ فلم ينكر تأثير كلا الأمرين، وأوضح إن الفرصة لم تسنح لعلماءنا سابقا بأن يتدخلوا في السياسة، لكن الظروف قد تغيرت اليوم.
“إن ما يميز آية الله العظمى السيد السيستاني حفظه الله هو الجانب العقلاني واهتمامه بكل ما يراه ملائما، فسماحته يراعي مصلحة الآخرين في مختلف القضايا وبذلك لفت اهتماما عالميا ونراه يستقبل الوفود السنية، والمسيحية واليهودية على حد سواء، ودائما ما يؤكد سماحته على إن أهل السنة أنفسنا وهذا ما يجسد الجانب العقلاني الذي تحدثت عنه، ناهيك عن الفرصة التي سنحت لسماحته لأن يقوم بدور سياسي كما العناية الربانية التي لا يمكن إنكارها”.
——————
النص الكامل للحوار سينشر لاحقا
——————